الكاتب : حسام أحمد البقمي
في عصر الصراع والمتغيرات، ومع ربيع التغيّر الذي أهدى للعالم القليل من الوعي لقضاياهم وعندما نتحدث عن التعليم العالي في وطننا الغالي، أنت مُعرض للكثير من الأبواب التي تحتاج طرقها لكننا لسنا في صدد تغيير كل شيء والاعتراض على كل شيء وانتقاد أي شيء, إن هناك فرق بين المُحب الذي يود الحديث بواقعية وبين من يبحث عن أي خبر يثير به حفيظة المجتمع إلى اللغط والحديث خارج الأسوار وفوق الأنظمة، لسنا في موقع الحديث عن الأبحاث ومدى استغلال مثل هذه الأخبار إما في تأكيد كلام أو في نفي حديث آخر,ومن المتضرر الآن من هذه السمعة التي شوهت النظرة إلى التعليم في المملكة، سيقول أحدنا إن هذا التوجه في الانتقاد والحقد من الغرب أمر طبيعي وعلينا توقعه، ويزيد المسؤول أن هناك من يصطاد الآن في الماء العكر ، وليس من طبيعة الإنسان السوي أن يبحث ويتصيّد الفرص ليثبت حقيقة أو ينفيها .
السؤال الذي يحتاج لطرح أليس من المهم أن يكون القائمين على تطوير عجلة البحث العلمي في جامعات المملكة قد فكروا في نتائج الخطط قصيرة المدى والسريعة، ألم تتعلم هذه الطبقة من الأكاديميين من التجربة السعودية في النهضة السريعة والتي لا زلنا نعاني الكثير من آثارها، المشكلة أن ما ينجح في قطاع الخدمات وفي تسريع مشاريع الصرف الصحي للأمطار مثلا في جدة قد لا ينفع بالمقابل في تسريع عملية البحث العلمي، وأن لذلك الكثير من الآثار السلبية على التعليم، لماذا لانزال في حلقة وطريقة تفكير واحدة في جميع القطاعات بالمملكة هذا سؤال يحتاج الكثير من التوقف والتدارس ومن ثم وضع طرق المعالجة,لا يهمنا فعلاً أن نصل في مرتبة عالية عالمياً في مدة قصيرة جداً ولكن يهمنا أن نعطي لكل شيء حقه من الوقت والتدرج الطبيعي المفيد للتطور والنهضة .
ومن الخطأ ما يقوم به البعض من الرمي المتكرر بالحجارة على التعليم العالي كتوقيت مناسب للطرح والنقد، فلن يضيف جديداً فوجودك في أسرة كبيرة ثم الحديث عن عيوبها وأخطائها لن يكون بالأمر الجديد أو المبتكر خاصة في الوقت الذي تتلقى فيه أقسى أنواع الضربات المؤلمة لمن يشعر بها بضميره، إنما سيكون لمحاولة تشتيت الجهود المبذولة وهي كثيرة ونباركها فلا يخفى على أحد مدى الدعم المتزايد من قيادة الوطن للبحث العلمي في المملكة، إنما يحتاج لتريث وهدوء بسيط يفيد كثيراً في التفكير في خطط بعيدة المدى وأكثر تأثيراً وفائدة وهو الأمر الذي ولد في جامعاتنا ويحتاج هذا الخط المنهجي للاهتمام به مقارنة بالخط الموازي له للخطط سريعة المفعول وكثيرة الصدى والمردود بكافة أنواعه المادية والوظيفية و(المنصبية) .
وللخروج بعيداً عن دائرة الاتهامات والردود الرسمية الموضحة لنقاط كثيراً لايعلمها الكثير من الطلبة والأكاديميين الخاصة بالبحث العلمي والتي كانت سبب في ارتفاع الأصوات، دعونا نسأل أولا في تاريخ التعليم العالي ما الذي سرق فعلاً قبل سنين طويلة والذي بدأ الجميع في محاولات ترميمه، الذي سرق هو حقوق الطلبة في بيئة تتزايد عليها الضغوط ولا يلجأ فيها الطلبة إلا لقصيدة المتنبي التي يغازل فيها الطالب أعضاء هيئة التدريس بأبيات أبو الطيب المتنبي:
يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي *** فيـكَ الخِصـامُ وأَنـتَ الخَـصْمُ والحَكَمُ
ولا شك أن التوجه الآن اختلف كثيراً بعد أن أصبح للطالب صوت يعبّر به ويمثله ويتحدث عن مشاكله ، فمن كان يتوقع أن الطلاب والطالبات لديهم الحق في التعبير عن رأيهم ومشاركة إدارة كليتهم في المواضيع التي تهمهم، ولست أكثر فرحة وثقة بما صدر من قرار حضور الطلبة لاجتماعات مجالس الكلية وهذا شيء يشاد به، لكن يبقى الكثير من الترسبات التي تقف في وجه النهضة والعدل والحقوق، وهذه من شأنها جعل بعض الأكاديميين يتحدثون عن الكثير من الأخطاء التي يُحمّلونها الطالب في مستواه الدراسي المنخفض أو الحضور والغياب، متناسين تماماً أن خلق البيئة التعليمية المفيدة والممتعة التي تساعد الطالب وتمسك بيده ليطور ويحسن من نفسه هو أمر صعب، في وجود من يقف في وجه التغيير ولا يريد أن تخرج الكثير من صلاحيات الزمن المندثر مثل (الترسيب) و(الاستقعاد) فمن لا يعرف هذه المصطلحات أو لا يؤمن بتاريخ وجودها، وتاريخ انقراضها- الذي سيسجل قريباً بإذن الله- هو لا يعرف البيئة التعليمية الجامعية أصلاً,وفي الحديث كثير من الاسترسال والتفرع لكن في أمل أن تكتمل الصورة الجميلة لجامعاتنا وكلياتنا ، وأن ينتهي الحديث المأثور الذي يقوله الكثير من الطلاب لزملائهم والآباء المحبين لأبنائهم : اسكت تراك في النهاية طالب .