في مستشفى الصحّة النفسيّة كل المرضى مسحورين !

الكاتبة : سَارة الغانم 

أسابيع من الزمن تلك التي قضيتها بين أروقة مستشفى الصحة النفسيّة جعلتني أدرك أنني لم أعرف الضيّق يوماً, أيام و أشخاص و قصص علّمتنا الكثير الكثير، و فسّرت كم هائل من المصلحات الطبيّة التي كنّا نسمع بها و أصبحنا نعرفها يقيناً، كما أنها أجابت على أسئلةٍ كانت تطرح نفسها علينا في كل يوم ,وبين حالات الفصام و الإكتئاب و الهوس تتنوع الأحداث و السبب واحد إن لم يكن سحراً فهو إصابة بعين أوكلاهما صحيح، و ليس من ضمن الاختيارات ( الإجابة الصحيحة غير موجودة ), تحدثنا مريضة أربعينية مصابة بأحد أنواع الإكتئاب، بأنها في كل شتاء تُصاب بنوبة اكتئاب شديدة تعجز معها عن الحراك حتى لدخول دورة المياة -أعزّكم الله – تفقد خلالها الشهيّة عن الطعام و عن كل شئٍ حتى رعاية الأولاد ، وبين رغبتها المتكررة في الموت تحرقها حسرة العجز التي تحول بينها وبين القيام بواجباتها و العودة للحياة من أجل فلذات كبدها .

و كسائر المرضى تبدأ رحلة البحث عن العلاج في كل مكان ممكن وغير ممكن عدا مستشفى الصحة النفسية ، كانت تلك السيدة تحكي عن المبالغ التي صرفتها من أجل الشفاء عند أبواب القرّاء  ولكن دون جدوى ، حيث أنّ حالتها شخصت ( بالعين و السحراً معاً ) ، وكانت تبتاع حينها علب الماء و الزيت المقروء فيها بـ 2000 ريال ومع ذلك لم تتحسن إلا بعلاجات النفسيّة، وفي كل شتاء تعود إليها  النوبة مما يضطر ذويها إلى إحالتها للمستشفى لآخذ الجرعة المناسبة لها, و اسأل نفسي لماذا كل هذا العناء ؟ ، نعم نؤمن بالعين ، و السحر مذكور بنص القرآن الكريم ، ولكن أين بذل الأسباب عن معنى التوكل ، أنا لا أرفض أو حتى أجرؤ أن استنكر على قراءة القرآن و التداوي به في كل الأمراض النفسيّة وغير النفسيّة ، فالقرآن دواء النفوس  وراحة القلوب في كل الأوقات, ولكنّ بركة القرآن ليست بالمتاجرة فيه على حساب هؤلاء المرضى و غيرهم تحت مظلة الدين .

 ولكن ما الذي يمنع أن نجمع بين الاثنين، فلا ضير في أن نتعامل مع الأمور بعقلانية أكثر ، لست أدري لماذا نعمد على أن نصطنع كل هذا العناء بجهلنا ، بل و بإصرارانا على جهلنا و إن طرق العلم مسامعنا, نعم عناء ! إذا كان المرض ابتلاء فما يفعله من حولنا بهؤلاء المرضى هو عين الشقاء,لماذا يُحرم من حقه في العلاج و الرجوع للحياة لاسيما مع تقدم العلم ومع ما تبذله دولتنا من خدمات جليّة و ضخمة جداً في توفير كل ما يحتاجه هؤلاء المرضى ففي مستشفى الصحة النفسية في الأحساء – قسم السيدات وجدنا أدويةً تتراوح أسعارها من 200 إلى 700 ريال للعلبة الواحدة التي يتناولها المريض خلال شهر أو أقل ,لك أن تتخيل كم مريض و مريضة يقطن المشفى منهم غير السعوديين كذلك.

إن لاكتشاف المرض مبكراً بالتشخيص الصحيح مقروناً بالالتزام بالعلاج أثر فعّال في تحسن المريض وجعل حالته أكثر استقرارً, وللأسف الكثير منا يلجأ للمشفى عندما تتفاقم الحالة و يصعب السيطرة عليها إلا بحقن الإبر في طوارئ النفسيّة ! مما ينبىء بسوء مستقبل تحسن الحالة مع العلاج, هل تعلم أن بعض المرضى غالباً ما يتعرضون للإعتداءات النفسية و الجسديّة و كذلك الجنسيّة خاصة إذا ما كانوا في طورٍ خارج عن سيطرة  العقل، و أن كثيراً من حالات الانتحار قد سُجلت بين أوساط المكتئبين, لماذا لانجمع بين القرآن و اللجوء لعلم الطبيب الذي وفقه الله لطلبه , إذا كنّا حقاً نحبهم لنساعدهم على الشفاء فهم يحتاجون لنا ولدعمنا ، لا أن نكون والمرض عليهم .

علينا جميعاً تخطي عقبة القبول الإجتماعي التي تمنعنا من اللجوء للطب النفسي، و إلا فالحساب الذي سوف ندفعه هو صحة و حياة من نحب, و أخيراً يقول د.رائد الروغاني وهو استشاري أمراض الجهاز العصبي و التصلب المتعدد كلمة جميلة حفظتها في قلبي قبل مفضلتي : ( المريض يصنع المرض ، و ليس المرض من يصنع المريض ، تفاءلوا فإن الله خلق الدواء لكل داء و لكن بأخذ الأسباب و الله أيضاً رزقنا العلم فانتفعوا به )  .

Exit mobile version