متى سأكبر ؟

الكاتبة: ساره الغانم

لطالما لمحت في داخل كل طالب طب نفس تواقة طموحة ، لا تفتأ ولا تألو جهداً للوصول إلى المعالي ، و ما إن تعانق هدفاً حتى ترفع رأسها ترقب الأعلى. فمنذ السنة الأولى له في كلية الطب تراه يترقب اللحظة التي يكبر فيها و تسابقه عليها عجلة السنين ليكتب بجانب اسمه (سنة خامسة – سادسة ) لا زلت أذكر شعوري حينها بعملقة من هم أكبر مني سناَ ، و كم كنت أحسدهم و لساني حالي يردد (متى سألتقي المرضى ؟ متى سأضع سماعتي ؟) و تطول قائمة متى سأكبر ؟

و ما إن تمضي السنون العجاف  ، وتلوح في أفق الطالب كما البرق ، و في اللحظة التي يشعر معها أنه قد صافح سماء التخرج تأتي ( متى سأكبر ) القادمة لتضع عينها على مابعد التخصص و الاستشارية .. نعم كنت هكذا أجد نفسي في كل مره يشتعل فيها طموحي و ألح بالسؤال ( متى سأكبر ) ؟

و لكن مفهوم  ( متى سأكبر ) قد تغيير كثيراً في ذهني، لأني عندما كبرت بعض الشئ و لامست واقع الحياة السريرية أصبحت دائماً أسأل نفسي! هل حقاً كل طالب في سنة سادسة أكبر من ثالثة ؟ و هل كل استشاري جال بقاع الأرض في طلب العلم ( كبير ) ؟ طبعاً لا، لأن الحياة بطولها و عرضها علمتني أن حقيقة الكبر ليست في السن أو الخبرة ، و لا في شهادة تمنح ، و لا حتى في علوم الأرض كلها مالم تقترن بتقوى الله . فالبعض عندما يكبر يتكبر ، و عندما يتسلم منصباً يتجبر ، و كم من كبير في علمه أصغر صغير بفعله !

و يبقى هناك البعض الذي يجعلك في كل إنجاز له تنحني – الله أكبر – !! و تردد في داخلك (متى سأكبر) ! نعم هم في نظري ليسوا كباراً  بل هم عظماء الأرض برسالتهم و أخلاقهم و امتدادهم ، فقد تجاوزوا حدود الخارطة الأرضية  و عانقوا الثريّا . و إني كلما نظرت إليهم أو قرأت في سيرهم يؤنسني حديثهم و يشتعل في قلبي شوق الحياه من جديد . لكن متى سأكبر؟ ، و كم من الوقت أحتاج لأصنع صنيعهم ؟ أترى ستمضى السنون و أرى بعض أحلامي ؟ أم تراني سأمضي قبلها ؟

أعلم أن لحظة ( متى سأكبر ؟ )  لازالت تكبر في أعماق الكثيرين منكم ، و لكن ألا نستطيع أن نرعاها ونربيها  ونتجاوزها بإنجازات اللحظة التي نعيشها الآن.(متى سأكبر؟ ) جعلتني اعتقد كثيراً بأننا نستطيع أن نعمل الكثير و نقطف السعادة و في كل حين إذا فقط أردنا. و حتماً سنكبر بأعمالٍ تقربنا لله و تنفع مجتمعاتنا و أوطاننا و أمتنا. فليس الكبر في  شهادة \منصب \ لقب قد أحققه وقد لا أحققه ، الكبر الحقيقي – بل العظمة –  بعمل صالح يتقبّله ويرضى عنه الله.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى