الفقر بنكهة سعودية

الكاتب: حسام الحربي

الفقر و الجهل وجهان لعملة واحدة، حيث أن كليهما يؤديان بأقصر الطرق و أسرعهما للانحراف – فكرياً كان أم أخلاقياً. لقد استعاذ منه سيد البشرية عليه الصلاة و السلام حيث قال: ” اللهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر “ و قال علي رضي الله عنه: ” لو كان الفقر رجلاً لقتلته “

قد يقول قائل: أليس من العار أن تكون نسبة الفقر مرتفعة جداً في دولة البترول الخام الأولى؟ هنا يتبادر الى ذهني سؤال / ما هو تعريف الفقر؟ يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا” و في تفسير الحديث للشيخ الألباني رحمه الله: “عنده قوت يومه” يعني عنده كفاية قوته من الوجه الحلال.

ومَن الآن لا يستطيع ايجاد لقمة تسد بها جوعه؟! أتحدث هنا عن طعام يسد الجوع لا عن البذخ و الإسراف في الطعام ..

وهناك من يقول أين نحن من زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، عندما كانت تدور الزكاة فلم يجد فقيراً واحداً .. هنا أقول له أن الوضع تغير الآن، ومفهوم الفقر أيضا تغير. كما أن نفوس الناس وذممهم وهِمَمهم تغيرت هي الآخرى،  كان جميع التجار في عهده يخرجون الزكوات، غير الجزيات المدفوعة من البلاد التي رفضت الدخول في الاسلام .. من تجليات ذلك التغيير ما يظهر في المفارقة التالية! كان الرجل تأتيه أموال الزكوات فيتذكر حديث الرسول عليه الصلاة و السلام ( من وجد قوت يومه ) الى آخره من الحديث ، فيقول في نفسه: لن آخذها لعل هناك من يحتاجها اكثر مني، فيتركها لغيره و الغير يتركها أيضاً لغيرهما، فتفيض أموال الزكاة .. بالطبع لا أنسى أن هناك فرق في الحياة الاجتماعية بين زماننا هذا و تلك الازمنة ..

تقول هيلين كيلر: تستطيع إغلاق جميع السجون يوم تستطيع إيجاد عمل لكل انسان .. هي على حق فعلاً، و لكن لنضع في الاعتبار أنه ليس بالضرورة أن تكون جميع الأعمال هي وظائف حكومية فقط – علماً بأن للوظائف الحكومية مرتّبات معقولة و جهد قليل – و لكن ليس من المعقول أيضاً أن يكون جميع افراد المجتمع هم موظفون حكوميون، و لنا في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم خير استشهاد: ( عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق ). أي عمل حر يكون مصدراً لرزق حلال هو تجارة، شريطة أن يكون متوافقاً مع تعاليم الدين الاسلامي. أما إن كنت تنظر للمجتمع فأن المجتمع لن يفيدك عند حاجتك. و ما هو عيب – مجتمعياً – اليوم سيكون فخراً غداً، لأن المجتمع يتغير يوماً بعد يوم، تتغير أفكاره و نظرياته وفقاً لحاجاته و متطلباته. العمالة الوافدة تحوّل مبالغ ما يعادل ميزانيات دول سنوياً من بلادنا لبلادهم! أقول ذلك ليس حسداً و لكن ابن البلد أولى بخيرات بلاده منهم .. في الحقيقة – حسب رأيي – جزء كبير من الوضع الراهن تجاه ما يسمى “الفقر” هو حول موضوع وسبب رئيسي يغفل عنه الكثير؛ إنه ( حسن ادارة المال )، التفريق بين المهم والأهم، والالتفات الى بعض الكماليات التي جعلها المجتمع من الأساسيات الآن؛ سواء في الملبس، المأكل أو المشرب أو حتى على صعيد تنوع أجهزة الهاتف المحمول! و لتكن القاعدة العامة في هذا الموضوع أنه متى ما تيسر الأمر لقضاء و إيجاد الشيء الأهم؛ فلتلتفت لقضاء الحاجة الأقل أهمية و هكذا ..

والفقر كلمة تطلق مجازًا على الفقر المادي ولكن كل من افتقر أو افتقد لشيء معين فهو فقير، وفقر المال هو نوع فقط ولكن ماذا عن فقر الأخلاق والقيم أو فقر العلم ؟ والأصعب هو فقر النفس؛ لأن فقير النفس هذا لن يرضى ولن يقتنع بما أعطاه الله وحباه وقد يلجأ أحيانًا لطرق ملتوية وسراديب مظلمة ليحصل على ما يريد حتى وإن كان ذلك مخالفًا للدين أو القانون

نبضة : اللهم اغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمّن سواك .

Exit mobile version