مرضى آخر عيادة

الكاتب: د.عمرو الحبشي*

تمتلئ الكتب الطبية الخاصة بالمهارات السريرية بنصائح وتوجيهات للطبيب (أو الطالب) في كيفية التعامل مع المريض، ابتداءً من استقباله وكيفية ترتيب غرفة الفحص وطريقة توجيه الأسئلة ونوعيتها وتعابير الوجه المطلوبة لكل سؤال وإجابة وانتهاءً بتلخيص المشكلة وخطة العلاج للمريض وتوديعه. أوقن أن كل طبيب (مبتدئ أو خبير) يحاول تطبيق ما تعلّمه من هذه الكتب ومن ممارسته ومناظرته للمرضى عبر الأعوام.

إلا أنه ورغم محاولات العديد من الأطباء تطبيق ما تعلّموه واكتسبوه حَرْفيا، يخرج الكثير من المرضى من غرفة الكشف غير مقتنعين ولا راضين برأي الطبيب ونصائحه. وكما نعرف جميعا فإن اقتناع المريض بالعلاج هو أول وأهم خطوة في العلاج. أحاول هنا شرح بعض النقاط التي قد تفيد المرضى وتزيد من فرصهم في فهم الطبيب (وفهم سلوكه أحيانا) والاقتناع بنصائحه:

– تكثر في مجتمعنا شريحة من المرضى أُطلِق انا عليها مصطلح “مرضى آخر العيادة”. تكون لهؤلاء المرضى واسطة من نوع أو آخر (الواسطة حتى في الطب) أجبرَت الطبيب على استقبالهم في نهاية عيادة مزدحمة أنهكَت الكمبيوتر البشري المسمى خطأً بالطبيب. يدخل الطبيب عيادته في بدايتها منتشيا مليئا بالطاقة وكأنه يحمل رزمة من النقود فئة المائة ريال، كلما دخل عليه مريض أعطاه من نصائحه ما يوازي ورقة من المائة ريال. إلا أنه يفاجأ في آخر العيادة (وقد توقف عقله عن الاستيعاب) بعشرة مرضى متبقين (بواسطة او بعشم) ولم يبق لديه إلا ورقة مائة ريال واحدة. يبدأ في قص الورقة فيعطي كل مريض عُشْرا، وهو يظن (والمريض معه) أنه يعطيه ما يساوي عَشْرا. تكون النتيجة أن الطبيب لم يقدم شيئا مفيدا للمريض وأن المريض لم يحصل على بغيته في علاج علته. نصيحة لكل مريض: احذر ان تكون من مرضى آخر العيادة

– اجد دوما عند مدخل العيادة من يستجدي (وإن كانت كلمة “يستجدي” غير مقبولة لدى الكثير) موظفة الاستقبال لرؤية طبيب من الأطباء. يعلل طلبه (أو استجداءه) بأنه لا يرغب في كشف كامل وإنما يرغب في عرض بعض نتائج التحاليل والاشعات على الطبيب (المزدحمة عيادته أصلا). أعتقد أن رؤية الطبيب لهذا المريض واكتفاءه بالنظر في نتائج تحاليله واشعاته هي خيانة لمهنة الطب وأمانتها والقَسَم الذي قد يكون أداه يوما ما، إضافةً الى انها تقصير جسيم مع المريض. نشأنا وتعلمنا في كلية الطب (أيا كانت كلية الطب هذه) على أن هناك خطوتين لابد من إتمامهما قبل التفكير في النظر في التحاليل والاشعات، ألا وهما الحصول على التاريخ المَرَضي وإجراء الفحص السريري. كثيرا من الأوقات تكون التحاليل والاشعات في وادٍ وعلة المريض في وادٍ آخر. نصيحة لكل مريض: احذر ان تطلب من الطبيب رؤية نتائج اشعاتك وتحاليلك فقط

– أُفاجأ بعض الأحيان بعد انتهائي من مناظرة مريض وتقديم اقتراحاتي لخطة العلاج له، أُفاجأ بهذا المريض يكيل كل ما هو سيئ (من كلمات وايماءات) ويرمي بها طبيبا آخر قام بمناظرته قبلي واقترح له علاجا مختلفا لم يُجدِ معه، ويبدأ بوصف الجزار أو النجار أو التاجر (لاحظت اننا نستخدم كلمتي “تاجر” و “تجارة” للتدليل على شيء سيئ وغير معتبر، لا في الطب فقط ولكن في جميع نواحي حياتنا ونَصِف المنتَج غير الجيد بالتجاري وهذا في رأيي في غير محله وإلا لما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالتجارة والجسارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق). عذرا إخواني وزملائي الأطباء فقد سمعتكم تُنعَتون بهذه الصفات ويعلم الله اني حاولت رد غيبتكم ولكن لم أنجح دائماً في تغيير رأي المريض فيكم. عندما يسمع الطبيب ذلك يبدأ في تخيل نفس المريض الجالس أمامه وهو يزور أحد زملائه من بعده ويحكي فيه نفس ما قاله عن سابقيه، فيتوجس الطبيب خيفة ويوكل أمره الى الله. نصيحة لكل مريض: حتى إن لم يُجدِ معك علاج أحد الأطباء فلا تذكره بسوء عند زميل له

– يصادف الأطباء بعض الأحيان شريحة من المرضى أُطلِق أنا عليها “مرضى التقارير الطبية”. يمكن للطبيب المتمرس ان يعرفهم بمجرد دخولهم عيادته. يُعَبِّر المريض عن رغبته للطبيب بعد أن يكون قد أخذ منه تاريخا مَرَضيا مسهبا وفحَصَه فحصا سريريا شاملا واطلع بكل تمعن على كل ما لديه من أشعات وتحاليل، فيأتيه طلب التقرير الطبي متبوعا بسؤال: أين تنصحون بإجراء العملية، في ألمانيا او أمريكا ؟ أعجبني صديق عزيز عندما أجاب مريضه: أنصحك باجرائها في جدة. فوجئ المريض بجواب صديقي وسأله مستغربا: وهل أنتم في مستوى أطباء ألمانيا وأمريكا ؟ رد صديقي (لا فض فوه): نحن أفضل، نحن نتميز عنهم بأننا نبدأ جميع عملياتنا بسم الله…

*استشاري جراحة العظام

* مدير المستشفى الجامعي بجامعة الملك عبدالعزيز

Exit mobile version