هل أتبرع بكليتي لشخص آخر؟


مجلة نبض – بيان الميمني :

قال الأطباء لقريب لي انه يعاني من قصور في وظائف الكلى و بأنه سيحتاج الى الغسيل او الزراعة قريبا
هل أتقدم كمتبرع أم ان هناك خطورة على صحّتي؟ ما الذي يجب علي فعله؟
يسمع الكثير منا مثل هذه القصة او ما يشبهها و يتساءل عن إمكانية التبرع و خطورة العملية و تبعاتها المستقبلية. في هذا المقال يحدثنا الدكتور أحمد نظمي _ طبييب باطنية مختص بامراض الكلى وزراعتها –  عن فوائد التبرع بالاعضاء وكيف يتم تقييم المتبرع وبعض المعتقدات الخاطئة حول التبرع بالكلى ..
يجب علينا ان نجيب أولا عن بعض الأسئلة.  فحتما هناك أبعاد أخلاقية و دينية و نفسية و صحية و إجتماعية لعملية التبرع بالأعضاء.
هل يجوز تعريض شخص سليم للخطر لمنفعة آخر مهما كانت احتياجاته؟
ما أهمية زراعة الكلى للمريض المتلقّي و المتبرع؟ وهل غسيل الدم افضل؟
لماذا يتم اختيار متبرع سليم في حال وجود متبرعين متوفيين دماغيا؟
بالنسبة للمريض، فإن الفائدة بالطبع تغلب الخطورة و لأسباب عديدة، منها:

١- تقليل وقت الانتظار او عدم الانتظار تماماً للحصول على كلية.
تقييم المتبرع و إِعداده يستغرق بالعادة شهرين، بينما الأنتظار على قائمة مُسْتقبلي الأعضاء قد يستغرق عدة سنوات (متوسط ٢-٥ سنة تبعا لزمرة الدم و تطابق الأنسجة).
٢- تحسين وضع المريض المتلقّي صحيا بإعفائه من جلسات الغسيل او عدم لجوئه اليها تماماً و الزراعة قبل ذلك بتوقيت مناسب.
٣- تقليل احتمالية تأخر عمل الكلية بعد زراعتها. مثل ما يحدث في بعض الكلى المزروعة من متبرع متوفي دماغيا.
٤- إطالة عمر الكلية الافتراضي بسنوات عديدة و وظيفة جيدة مقارنة بالكلية المزروعة من متبرع متوفي دماغيا.
٥- إطالة عمر المريض الافتراضي -بعد مشيئة الله- بنوعية حياة ممتازة.
٦- بالإضافة الى مميزات الزراعة الاخرى التي لا يوفرها الغسيل او التنقية الدموية. كسهولة السفر و التنقل و و تقليل الإصابة بأمراض الأوعية الدموية و أمراض القلب وزيادة معدل الطاقة و النشاط و القدرة الجنسية و الخصوبة.
بالنسبة للمتبرع (شخص سليم) فإن الفائدة تكون بالغالب و بشكل كبير معنوية. أما حبا في المريض او بِرّاً به. لذلك يجب التأكد من عدة عوامل قبل البدء. اهمها ان التبرع هو بمثابة الهدية، و هذا المعنى ينتفي بوجود إكراه أو ضغط نفسي على المتبرع. يجب أيضاً ان تكون عملية التبرع بدون مقابل مادي لأنه يتنافى مع حقوق الفرد و إنسانيّته. وقد ثبت ذلك في العديد من إحصاءات منظمة الصحة العالمية و منظمة حقوق الإنسان. حيث ان جُل المتبرعين بمقابل مادي (٩٨٪) منهم ندم على قرار التبرع بمقابل مادي.
ولو قارنا ذلك بمن تبرع لقريب له فإن معظمهم (٩٧٪) لم يندم على قرار التبرع لقريب بدون مقابل مادي بعد ١٢ سنة من العملية و حتى بعد معرفته بفشل الكلية المزروعة، لعرفنا ان الفرق بينهما كبير.
وهناك العديد من الأسباب الأخرى لا يسعني الكتابة عنها هنا تمنع التبرع بمقابل مادي. كل ذلك لا يمنع الفوائد المترتبة على المتبرع الأخرى (خلاف الفائدة المعنوية النفسية) المثبتة بالدراسات الطبية منها:
١- اكتشاف أمراض عائلية او وراثية اثناء إعداد المتبرع و الكشف على صحته.
٢- الحصول على رعاية طبية متواصلة بعد التبرع.
٣- اكتشاف أمراض أخرى غير متوقعة.
٤- نوعية حياة افضل و أكثر صحة بعد وعي المتبرع بنمط التغذية و الحياة الصحية.
بعد الكشف على المتبرع و ثبوت خلوه من الأمراض و كان التقييم بأن خطورة قصور وظيفة الكلية المتبقية على المتبرع مستقبليا ضئيلة، تعتبر عملية التبرع أمنة و مقبولة. أما اذا ثبت عكس ذلك، فإنه يتم استبعاد المتبرع مهما كانت حاجة المريض و النظر الى متبرع آخر. يتم أيضاً استبعاد المتبرع اذا كثرت امراض الكلى في تاريخ العائلة المرضي (بعض الأنواع فقط).
افضل متبرع بالنسبة للمريض هو من عائلته المباشرة. أب، أم، أخ، أخت، ابن او ابنة. ثم الذين يلونهم من القرابة. يفضل اللجوء اليهم قبل أفراد العائلة المترابطة عاطفيا أكثر من الوراثة مثل الزوج و الزوجة زوج البنت زوجة الابن و غيرهم.
في حال ان المريض كان محظوظا بوجود أكثر من متبرع، يتم اختيار اكثرهم تطابقا مع المريض في تحليل تطابق زمر الدم و مزج الأنسجة.
اما في حال اختلاف زمر الدم، يمكن أيضاً عمل الزراعة و لكن بعد خضوع المريض لبعض العلاجات و التدخلات الطبية المناعية قبل العملية. كما يمكن استخدام برامج تبادل الأعضاء، اذا كان المتبرع رقم واحد سيتبرع للمتلقّي أ و لكن اختلاف الأنسجة يمنع ذلك و كان المتبرع رقم اثنين سيتبرع للمتلقّي رقم ب مع اختلاف تطابق الأنسجة بينهم أيضاً تعطى كلية المتبرع رقم واحد للمتلقّي ب و كلية المتبرع رقم اثنان للمتلقّي أ. كما هو موضح في الشكل.
ولا يتم ذلك إلا بعد موافقة جميع الأطراف المعنية و كانت جودة كلا الكليتين الُمتَبرع بهما متساوية.
كما يجب تقييم أثر التبرع على المتبرع من الناحية المادية ولا يجب إغفاله. بالرغم مِن أن الله مَنّ علينا بمجانية العملية -في المملكة العربية السعودية- لكن يجب عدم إغفال ان المتبرع قد يتكبد بعض التكاليف. كأن يضطر الى استئجار سكن اثناء الفحوصات أو بعد العملية. تكاليف السفر و التنقل أيضاً لها ثقلها على كاهل المتبرع.
كما ان بعض المتبرعين يكون له طبيعة عمل بدنية، كالعسكريين و من لهم عمل ميداني او يتطلب منهم عملهم الحمل و النقل و ما يشابهه من أعمال بدنية. قد يتأثر بعض المتبرعين (قِلّة) من بعد العملية ولا يستطيع ممارسة عمله كالسابق. مما قد يؤثر على دخله العام. بعض أماكن العمل لا تقبل الإجازة المرضية لمدة أطول من المعتاد و إن كانت نادرة.
٣،٨٪ من المتبرعين في أحد الدراسات إضطر الى تغيير طبيعة عمله كما أن ٧،٨٪ من المتبرعين إضطر الى تغيير ساعات عمله بعد العملية ولو مؤقتا. يُنصح المتبرع في العادة الى الرجوع الى عمله في هذه المسائل قبل التقدم بالتبرع إن كانت ستؤثر على دخله المادي. بالطبع سيقدم الطاقم الطبي جميع ما هو ممكن لتلافي هذه التكاليف و المعضلات التي قد تواجه المتبرع.
يتم تقييم المتبرع من الناحية النفسية قبل التبرع بواسطة فريق مختص مكون من الأخصائي/ة الإجتماعي و أخصائي بعلم النفس و طبيب نفسي للتأكد من سلامة صحته النفسية. يتم استبعاد المتبرع الذي  يعاني من أمراض نفسية (وليس اختلال في الشخصية) مَن علاجهم من المرض النفسي يؤثر على وظائف الكلى، و من له إعتماد على المواد المخدرة او الكحول، ومن يعاني من قصور دماغي (ذوي الإحتياجات الخاصة) و من في حكمهم لعدم أهليتهم على إتخاذ القرار. كما يتم تقييم دواعي التبرع لكل من يتبرع لغير قريب.
متابعة المتبرع بعد العملية مهم أيضاً. البعض يعاني من اكتئاب و بعض الأمراض النفسية بعد العملية لا يمكن الكشف عنها الا بالمتابعة. بعض الزيجات (٣،٣٪) تتأثر بعد العملية و تفشل، خاصة إن كان التبرع تحت الضغط.
غالبية المتبرعين يتمتعون بصحة نفسية جيدة قبل التبرع و في الغالب افضل بعد العملية.
يتم فحص دم المتبرع و التأكد من خلوه من أمراض الدم و خضاب الدم (الهيموجلوبين) من فقر الدم المنجلي.
كما يتم فحص عنق الرحم للسيدات المتزوجات و فحص الثدي لكل سيدة فوق سن ٣٥ سنة.
يجب التأكد من خلو المتبرع من الأمراض الخبيثة (السرطان) لأن بعضها ينتقل مع الكلية المزروعة. مثل أورام الكلى و القولون.
كما يجب فحص المتبرع للتأكد من عدم وجود أمراض فيروسية مثل فيروس التهاب الكبدالوبائي و نقص المناعة المكتسبة و غيرها من الأمراض المعدية. السُل او الدرن و الحمى المالطية لها أهميتها الكبرى في منطقة الشرق الأوسط لإنتشارها.
يؤخذ بالاعتبار ان كلما كان عمر المتبرع اصغر، كانت جودة الكلية أفضل. إلا انه لا يوجد عمر محدد للمتبرع بالكلى يمنع التبرع ان جاوزه. يتم تقييم وظيفة الكلى و صحة المتبرع و تحديد اثر التبرع على وظيفة الكلية المتبقية. وان كان عمر المتبرع كبيرا، يتم قبوله إن كانت العملية آمنة.
فحص الأوعية الدموية المغذية لكلية المتبرع بالأشعة المقطعية مهم جدا. يعطي الجراح صورة عن شكل الكلية و عدد الأوعية الدموية المغذية للكلية و يحدد من خلالها نوع العملية و الإجراء الجراحي لإستخلاص الكلية بأقصر وقت ممكن. كما تمكن الأشعة المقطعية الفريق الطبي من اكتشاف إختلالات بالكلية قبل العملية مثل الحصوات الصغيرة و غيرها و التي لا يمكن اكتشافها بالأشعة الصوتية. يمكن تصوير الكلية بالأشعة المغناطيسية أيضاً و التصوير المباشر عبر إدخال قسطرة في شريان الكلية و حقن بصبغة ملونة. جميعها تعطي نفس النتيجة تقريبا لكن الأشعة المقطعية هي الأكثر استخداما لسهولتها و توفرها.
يتم تفضيل الكلية اليسرى لأنها تشريحيا لها أوعية دموية أطول. مما يسهل على الجراح زراعتها في المريض المُتلقّي. و إن كانت المتبرعة أنثى يتم اختيار الكلية اليمنى و ابقاء اليسرى لقلة تعرض الكلية اليسرى لمضاعفات الحمل.
يتم اختيار الكلية التي لها شريان واحد لتغذيتها حتى يقل وقت العملية الى اقصر وقت. خبرة للفريق الجراحي و كفائته هي ما تحدد أي كلية افضل للتبرع و أيها يبقى.
تعريف المتبرع بنمط الحياة الصحي و التغذية من اهم خطوات التقييم و المتابعة. التشديد على خسارة الوزن و الإقلاع عن التدخين لخطورتهما على وظيفة الكلية المتبقية من أولويات الطاقم الطبي.
يجدر الإشارة الى انه يحق للمتبرع التراجع عن قراراه في اي وقت قبل اجراء العملية ولا يحق له المطالبة بالعضو بعد نزعه منه.
بعض المعتقدات الخاطئة عن عملية التبرع بالكلى:
١- عملية التبرع غير جائزة شرعا لأنني لا أملك جسدي، فيكف أتبرع بجزء منه؟
جميع الأديان و الشرائع تبيح التبرع بالأعضاء و تعتبرها من باب الهدية او الصدقة الجارية او ما في حكمها.
٢- عملية التبرع تشوه الجسم.
غير صحيح، استئصال العضو يتم عن طريق عملية جراحية او عن طريق المنظار و يتم إغلاق الجرح بخيوط تجميلية.
٣- تؤثر عملية التبرع على الإنجاب و الخصوبة و الحياة الزوجية.
غير صحيح. ليس لها اثر سلبي على ما سبق.
٤- تتسبب العملية بإجهاد على الكلية المتبقية و من ثم فقدان وظيفتها و الاحتياج الى الغسيل في المستقبل.
غير صحيح. كل مائة شخص يولد ٢-٤ أشخاص بكلية واحدة دون حاجتهم الى الغسيل او الزراعة.
٥- في حال حدوث مضاعفات، يتكاسل الفريق الطبي في بذل جهده للإنقاذ.
غير صحيح. صحة المتبرع مقدمة على المرضى و المتلقّين.
حسب العديد من الدراسات الطبية القديمة منها و الحديثة، و التي أجريت على أعداد كبيرة من المتبرعين، فإن عملية التبرع بالكلى بشكل عام، تعتبر آمنة على المدى القريب و البعيد.
التبرع بالأعضاء، قمة العطاء.
Exit mobile version