سبع خطوات لتطوير زراعة الأجهزة الدقيقة في الدماغ
مجلة نبض-BBC:
بدأ بعض العلماء العمل على صنع أجهزة دقيقة جدا يمكن زراعتها بالدماغ، ويأملون بأن تعالج المكفوفين، وتساعد المصابين بالشلل على المشي. لكن كيف تعمل هذه الأجهزة المنزرعة؟
ابتكر باحثون أميركيون جهازا دقيقا يصفونه بأنه جهاز لتوفير “نافذة إلى الدماغ”، والذي من شأنه تمكين الأطباء من رؤية ما في داخل الجمجمة، وربما علاج بعض المرضى.
ويعتبر الدماغ من أكثر أجزاء الجسم حساسية وتعقيدا، لذا فإن العبث بنشاطه قد يبدو تفكيرا ساذجا.
ولكن علماء الأعصاب، مسلحين بفهم متزايد لطريقة معالجتنا لإدراكنا الحسي وذكرياتنا، بدأوا في ابتكار طرق لزرع تلك الأجهزة الدقيقة في الدماغ على أمل التمكن من معالجة مجموعة من الاضطرابات التي تتراوح ما بين العمى والشلل.
لكن كيف تعمل تلك الأجهزة الدقيقة المنزرعة في الدماغ، وما الذي يمكن أن تحققه؟
نضع بين يديكم هذا الدليل إلى العالم المدهش لزراعة الأجهزة الدقيقة في الدماغ.
1- اختيار الطريق
بعض الأجهزة الدقيقة المنزرعة بالدماغ، والتي تقدم تحفيزا عميقا للدماغ، تعالج حاليا حالات كمرض الشلل الرعاشي (مرض باركنسون). والهدف الأساسي هو التواصل مع الدماغ باستخدام إشارات معقدة من شأنها أن تسمح للأطباء بعلاج عدد من الاضطرابات الأخرى.
وتحاول إحدى أنواع تلك الأجهزة تصحيح مشكلة ما مثل النظر أو السمع. وعلى سبيل المثال، فإن عمليات زرع شبكية العين قد يمكن لها أن تحل محل عيون تعاني من مشاكل، بينما تساعد عمليات زرع قوقعة الأذن على إعادة السمع للصم، وقد نجحت هذه العمليات إلى حد ما حتى الآن.
والنوع الثاني من تلك الأجهزة يمكنه أن يرسل إشارات من الدماغ إلى الأطراف لعلاج الشلل، أو تشغيل أطراف آلية. ونوع ثالث منها قد يسد الثغرات في الروابط العصبية داخل الدماغ نفسه-عن طريق استبدال الجزء المعطوب بهدف حفظ الذاكرة أو تجديدها.
2- فك الرموز
بالنسبة لكل هذه الأنواع من جراحات زراعة الأجهزة في الدماغ، فإن واحدة من أكبر العقبات هي تفكيك رموز الدماغ من أجل التواصل معه بلغته الخاصة. وإحدى التقنيات الواعدة التي طورها سام ديدوايلر في كلية ويك فورست للطب تتم من خلال خوارزميات تعرف باسم “ميمو” والتي تستخدم عادة لتفسير الرسائل في الاتصالات اللاسلكية.
فعندما يقرأ الجهاز الدقيق الرسائل الكهربائية التي يطلقها الدماغ، يمكنه معرفة أي تسلسل من الإشارات يتطابق مع أفعال معينة، وإعادة إصدارها عند الضرورة- وهي تقنية قد تكون مفيدة في استعادة الذاكرة المفقودة.
3- تدريب الدماغ
لجأت الباحثة شيلا نايرنبيرغ، من جامعة كورنل، إلى تقنية خوارزمية مختلفة لمعرفة كيفية إرسال العين للمعلومات إلى الدماغ، وذلك خلال محاولاتها تركيب شبكية اصطناعية.
وكما كان عمل ديدوايلر، فإن عملها تضمن تدريب الجهاز على تجارب من العالم الحقيقي؛ وفي هذه الحالة، فقد سجلت شبكيات سليمة وهي تنظر إلى صور من متنزه محلي.
وقالت الباحثة إن الحل كان يتمثل في إيجاد طرق لتبسيط المعلومات، كما تفعل العيون السليمة بشكل طبيعي. موضحة ذلك بالقول: “إن الشبكية تلتقط ما تحتاج إليه وترمي ما لا تحتاجه”
4- التسلل إلى الدماغ
بمجرد معرفة شيفرة الدماغ، فإن التحدي التالي هو نقل تلك الإشارات بسلام ودون الإضرار بالأنسجة العصبية الحساسة. إذ أن الأقطاب الكهربائية تسبب الندوب ويعمل النظام المناعي على مهاجمتها، إلا أن هناك طرقا للتخفيف من حدة ذلك الضرر.
فيمكن لف تلك الأقطاب بالحرير كي تنزلق داخل النسيج العصبي، أو يمكن لفها بناقلات عصبية وهرمونات النمو لتشجيع الخلايا العصبية المحيطة بها على إيجاد اتصالات جديدة معها.
وينظر بعض الباحثين في إمكانية صناعة الأقطاب الكهربائية ذاتها من “الهلاميات المائية” اللينة، وهي المادة المستخدمة في صناعة العدسات اللاصقة.
5- استخدام الضوء
بدلا من ذلك، يمكن إجراء ما يشبه عملية التدليك للخلايا العصبية بالشعاع الضوئي. و تستخدم الباحثة نايرنبيرغ، على سبيل المثال، تقنية تدعى “علم البصريات الوراثي” في تحضير الشبكيات الاصطناعية.
وهذا يتضمن العمل على الخلايا العصبية المعنية وراء العين، بحيث تطلق إشارات لدى التعرض إلى تردد معين من الضوء. ثم يرسل الجهاز المستخدم إشارات التواصل بإشعاعات قصيرة.
و يقلل ذلك من مخاطر إتلاف النسيج العصبي، وبإمكانه تحديد الخلايا التي تحتاج إلى البدء بالعمل بشكل دقيق.
6- الإمداد بالطاقة
مد الأجهزة المنزرعة بالطاقة داخل الدماغ هي قضية مهمة أخرى. ويبدو أن شحن تلك الأجهزة لاسلكيا هي أفضل طريق حتى الآن.
إذ أن بث ما يكفي من الطاقة دون رفع درجة حرارة أنسجة الدماغ أمر صعب، ولكن يمكن القيام به.
وقد عمل فريق من الباحثين مؤخرا على تطوير جهاز هوائي بحجم حبة الأرز يمكنه التقاط الطاقة من خلال بضعة سنتمترات من الأنسجة، دون تجاوز الحد الآمن من الإشعاع الكهرومغناطيسي.
7- اختراق الحواس؟
يمكن استخدام هذه الأجهزة في المستقبل المنظور لعلاج الأشخاص الذين يعانون من إعاقات شديدة فقط. وكانت الرقائق التي استخدمت لتمكين المعاقين من المشي بأطراف آلية قد أظهرت بعض النجاح في التجارب التي أجريت على الإنسان.
هذا في الوقت الذي تأمل فيه الباحثة نايرنبيرغ من اختبار شبكيات العيون الصناعية على الإنسان في غضون عامين. في الوقت ذاته، تأمل وكالة الدفاع الأميركية لمشروع الأبحاث المتقدمة في اختبار أجهزة لعلاج فقدان الذاكرة بحلول عام 2019.
ويأمل بعض المفكرين بالمستقبل أن تتمكن عمليات زراعة الأجهزة الدقيقة في الدماغ حتى من منح قدرات تفوق القدرات الإنسانية للناس الأصحاء.
ولإعطاء فكرة لما قد يحدث مستقبلا، فقد اخترق أحد الصحفيين مؤخرا سماعة أذنه كي يتمكن من سماع صوت إشارات الإنترنت “الواي فاي” أثناء تجواله في لندن.
لذا، فليس من المستحيل أن يتمكن شخص لديه جهاز مزروع في قوقعة أذنه من فعل الشيء ذاته، أو حتى استخدامه للتنصت على محادثات في غرفة أخرى.
وواقعيا، فمن غير المرجح أن يقرر أشخاص أصحاء الخضوع لعمليات جراحية كهذه لأهداف ترفيهية، ولكن من يعلم؟ فإعادة النظر إلى المكفوفين، أو مساعدة المصابين بالشلل على المشي، كانت، في نهاية المطاف، أمورا أبعد ما تكون عن خيالنا قبل عدة عقود.