مجلة نبض-متابعات:
تدور في أجسامنا – من دون أي إحساس منا أو شعور- الكثير من التفاعلات والعمليات المعقدة، التي يكشف العلم الحديث النقاب عنها بين فينة وأخرى، لتضاف إلى القائمة الطويلة من الحقائق الخفية التي يبطنها جسم الإنسان، وما حواه من عجائب الخلق وأسراره. ومن بين مفردات الظواهر الفسيولوجية الفريدة التي لا تزال محط أنظار الباحثين حتى يومنا هذا، يبرز لنا مصطلح “الالتهاب”، وهي كلمة ذائعة الصيت، وتكاد تظهر على ألسنتنا وألسنة مَنْ حولنا على نحو شبه يومي، إذ قلما نجد شخصاً من حولنا لا يستذكر تجربة إصابة جسمه بالالتهاب بأي شكل كان من أشكاله.
الالتهاب عملية فسيولوجية بالغة التعقيد، وتتحدث عنها سطور المراجع والقواميس العلمية بالعديد من التعريفات ذات الصيغ المتباينة. إلا أن ثمة قواسم مشتركة تجمع بين هذه التعريفات، لتفصح عما يصول ويجول من معركة حامية الوطيس، تدور رحاها في أنسجة أجسامنا، ونجحت عدسة المجهر في الكشف عن جانب من أسرارها بعد أن كانت لغزاً من الألغاز، عصياً على الفهم والإدراك.
تشير الدراسات القديمة إلى أن (سيلزوس) Celsus في القرن الأول الميلادي قام بوصف عملية الالتهاب، وما يصحبها من أعراض وعلامات دالة على حدوث المرض
والالتهاب ردة فعل فسيولوجية، وجزء من منظومة دفاعية كبيرة، تقدح زنادَها أجهزةُ الجسم، وتظهر في صورة سلسلة من التفاعلات المعقدة التي تتوالى تباعاً. وهو استجابة طبيعية تبديها الأنسجة التي تهبّ للدفاع عن أجسامنا عقب تعرضها لأي شكل من أشكال الأذى – وما أكثرها- الذي يعترض سير الحياة الطبيعية، أياً كان نوعه أو مصدره، بغية التخلص منه، وكبح جماحه.
وقد أفادتنا كثيراً عدسة المجهر في كشف النقاب عن جوانب كثيرة من أغوار عملية الالتهاب المجهولة التي تتعاقب فصولها المسرحية في غيابات أجسامنا، من دون أن يكتب فصل تلك المسرحية الأخير، وليس له أن يكتب طالما أن في الجسد روحاً وحياة، وطالما أن في عروقه دماً يجري.