التسويف: أربع خطوات تساعدك في التخلص من هذا السلوك مع بداية عام جديد

تخيل أن بضع خطوات يومية كفيلة بأن تجعلك أكثر سعادة وثراء وأقل توترا. ولن تحتاج للتضحية بأي شيء، لكن على مدى سنوات ستلاحظ تحسنا هائلا في حياتك المهنية والشخصية من نواح عديدة.
يعد التسويف إحدى العقبات الكبرى التي تعوق الكثيرين عن التغيير الإيجابي. وأشارت دراسة إلى أن الأشخاص الذين اعتادوا على التسويف والمماطلة أقل قدرة على الحصول على وظائف ثابتة، ويتقاضون رواتب منخفضة، إذ يتقاضى المسوفون رواتب أقل بنحو 14 ألف دولار على الأقل من زملائهم الذين يستبقون المشاكل قبل وقوعها.
ويجد المسوفون صعوبة في تخصيص الوقت لممارسة التمرينات الرياضية، لأنهم دائما يرجؤون النشاط البدني لوقت لاحق. وربطت دراسة بين الاعتياد على التسويف وبين ارتفاع مستويات القلق والتوتر، بسبب الفوضى الناتجة عن التهرب الدائم من تنفيذ المهام الضرورية.
وخلصت دراسات أخرى إلى أن المسوفين أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة، منها أمراض القلب والأوعية الدموية.

لكن جيسون ويسيل، الباحث بجامعة غريفيث في كوينزلاند بأستراليا، طور نظاما جديدا يتضمن أربعة أسئلة بسيطة تحفز على التفكير في الدوافع النفسية وراء التسويف والمماطلة. فإذا واظبت على طرح هذه الأسئلة على نفسك بين الحين والآخر، ستتمكن من مقاومة المشتتات والتركيز على إنجاز الأهداف التي تمثل أهمية في حياتك.

نظرية التحفيز الزمني
واستلهم ويسيل هذا النظام من نظرية التحفيز الزمني، التي تفترض أربعة أسباب متشابكة وراء المماطلة.
أولا “التوقع”، فنحن نسيء تقدير فرصنا في إتمام المهمة بنجاح، وهذا يضعف عزيمتنا. والسبب الثاني هو “إدراك التأخير”، إذ يعجز الكثيرون عن إدراك مدى تأثير أساليب الإرجاء والمماطلة التي يمارسونها على فرصهم في إنجاز المهمة في الموعد المحدد.
وثالثا، الإخفاق في تقدير “أهمية” المهمة التي بين أيدينا ومزايا إنجازها في الوقت المحدد، بمعنى أننا نهتم بالمتعة الآنية وتغيب عن بالنا العواقب طويلة الأمد للتأخير.
وأخيرا، يرى ويسيل أننا نفتقد لمهارة أساسية وهي “التفكير فوق المعرفي”، أي الوعي الذاتي بالأفكار التي تدور في رأسنا والقدرة على تحليلها. وهذه المهارة تساعدنا في مقاومة الرغبة في التسويف والتأجيل والتركيز مرة أخرى على أهدافنا.
وأبرزت دراسات دور الوقت، وخاصة اقتراب موعد التسليم، في التحفيز على إنجاز المهام، أو ما يسمى “بنظرية التحفيز الزمني”، لكن لم تجر أبحاث كافية عن سبل التخلص من سلوكيات المماطلة والتسويف. وأجرت فيندلاين فان إيرد، من جامعة أمستردام، استعراضا لدراسات عديدة عن التدخلات المتاحة للتغلب على التسويف في عام 2018.
واكتشفت فان إيرد أن العلاج السلوكي المعرفي هو الطريقة الوحيدة التي أثبتت نجاحا في التغلب على التسويف. ففي أثناء جلسات العلاج السلوكي المعرفي، يتحدث المعالج مع العميل ليستكشف الأفكار والمشاعر والتصرفات التي تعوقه عن الأداء والإنتاج. وتقول فان إيرد: “تحاول أن تكتشف السلوكيات الخاطئة التي تمارسها، ومن ثم تعدل هذه السلوكيات للتعامل مع الأمور بأساليب فعالة تساعدك على الإنجاز بكفاءة”.
لكن جلسات العلاج السلوكي المعرفي باهظة الثمن، وتستغرق وقتا طويلا، وهو الأمر الذي دفع ويسيل للبحث عن بدائل أسرع وأرخص للمساعدة في التخلص من التسويف.
وقرر ويسيل أن يلخص مبادئ نظرية التحفيز الزمني في أربعة أسئلة بسيطة لتحفيز الناس على التفكير في دوافع التسويف:
•كيف ينجز شخص ناجح هذا الهدف؟
•كيف سيكون شعورك في حال لم تنجز المهمة المطلوبة منك؟
•ما هي الخطوة التالية التي ينبغي أن تتخذها فورا؟
•إذا كان هناك شيء واحد يمكنك أن تفعله لتحقق الهدف في الموعد المحدد، فما هو؟
وجرب ويسيل هذه الطريقة في بيئة الجامعة، إذ أجرى دراسة على أكثر من 100 طالب كانوا على وشك تسليم مشروع مهم يمثل ثلث الدرجة النهائية. ولقياس الإنجاز، أرسل رسالة نصية لجميع الطلاب يطلب منهم تقدير مدى التقدم الذي حققوه في المشروع المكلفين به من صفر في المئة إلى 100 في المئة.
وطلب من المشاركين في الدراسة التفكير في الأسئلة الأربعة المذكورة بين الحين والآخر على مدى أسبوعين حتى موعد التسليم. وكان ويسيل يأمل أن يحقق التفكير في هذه الأسئلة المحفزة نفس النتائج التي تتحقق عادة من خلال جلسات العلاج السلوكي المعرفي، لكن في وقت أقصر. ويقول ويسيل: “إن هذه النقاط الأربعة تتضمن بعض عناصر جلسات العلاج أو المشورة أو التدريب”.
وبعد مقارنة تقدم المشاركين على مدى أسبوعين، لاحظ ويسيل أن الطلاب الذين كانوا يخصصون وقتا للتفكير في الأسئلة الأربعة كانوا أكثر قدرة على إنجاز المشروع مبكرا، بدلا من تأجيله حتى نهاية المدة. أي أن التفكير في هذه الأسئلة ساعدهم على التغلب على سلوكيات التسويف والمماطلة.
لكن النتائج لم تكن فورية، إذ يقول ويسيل إن الطلاب كانوا يفكرون في الأسئلة الأربعة عدة مرات حتى يقتنعوا بها ويتخذوا خطوات إيجابية لإنجاز المشروع. ويقول ويسيل: “كثيرا ما تضيف المواعيد والأهداف التي تريد أن تحققها إلى تطبيق التنبيهات، ثم تتجاهلها”.
وذكر الكثير من الطلاب أنهم استفادوا كثيرا من هذه التجربة ولم ينزعجوا من التنبيهات التي كان يرسلها الهاتف لتذكيرهم بالتفكير في الأسئلة الأربعة. وقالوا إنهم سيطبقون هذه الطريقة على كل مادة دراسية.

طريقة واعدة
وكانت نتائج الدراسة مبهرة، وأعربت فان إيرد عن تفاؤلها حيال فعالية هذه الطريقة في التخلص من التسويف.
وصمم ويسيل تطبيقا هاتفيا مصمما على غرار الدراسة لتشجيع الناس على تحسين أنظمتهم الغذائية. ويقول ويسيل إن الجميع قد يستفيد من التفكير بانتظام في هذه الأسئلة الأربعة، مهما اختلفت الأهداف التي يريدون تحقيقها.
وبإمكانك إضافة تذكيرات إلى التقويم عبر الإنترنت لتنبيهك بتخصيص وقت للتفكير في الأسئلة التحفيزية. ويقول ويسيل: “إن هذه الأسئلة ستساعدك في إعادة تقييم سلوكياتك، إذا لاحظت أنك اعتدت على إرجاء المهام لوقت لاحق”.
ويشدد ويسيل على أهمية تأمل أهدافك وتقييم أهميتها وأن تسأل نفسك إن كنت حقا تعطي أولوية للأهداف التي تمثل أهمية في حياتك على حساب الأهداف غير المهمة. وبعدها ينبغي أن تبحث عن طرق لتقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء أصغر قبل أن تتخذ الخطوة الأولى المحتملة لتنفيذها. ويقول إن هذه الخطوات تشعل الحماس، وستجعلك أكثر قدرة على مقاومة إغراءات التسويف والتأجيل.
وتعد دراسة ويسيل جزءا من مجموعة دراسات عن الفوائد الجمة التي نحققها إذا خصصنا لحظات قليلة لتأمل أفكارنا وتقييم سلوكياتنا ومشاعرنا. إذ يبدو أن الاستغراق في التفكير يزيد الإصرار والقدرة على التنظيم ويرفع الكفاءة، ومن ثم يوفر لك وقتا كافيا حتى تتفرغ لإنجاز الأمور الأكثر أهمية. وربما تكون هذه الأسئلة التحفيزية القليلة هي سر السعادة والصحة في العام الجديد.

Exit mobile version