المشي: كم خطوة تكفيك للوقاية من خطر الوفاة المبكرة؟

قد تفعل الكثير في سبيل الحفاظ على صحتك وحياتك؛ فتارةً تمارس التمرينات الرياضية بجهد وانتظام وتارة تتبع حمية غذائية قاسية، ولكن السبيل إلى تجنب الكثير من الأمراض وتقليل خطر الوفاة المبكرة قد يكمن، بحسب دراسة أمريكية حديثة، في ممارسة المشي بشكل يومي.
ربما يكون المشي هو الرياضة الوحيدة التي لا تتسبب في آثار جانبية، وفقا للعديد من الدراسات، فهو لا يسبب في الغالب، أضرارا للجهاز الحركي أو ضغطا على المفاصل كما قد يفعل الركض مثلا.
لذلك تظل الفوائد الكبيرة للمشي دافعا، على مدى السنين، لمواصلة البحث والدراسة في سبيل استكشاف المزيد من منافعه.
وقد خلص باحثون أمريكيون من جامعة ماساتشوستس في أميرست، مؤخرا إلى أن المشي 7000 خطوة يوميا، في منتصف العمر، كفيل بتقليل خطر الوفاة المبكرة بنسبة قد تصل إلى 70 في المئة.

وقد تبدو هذه النسبة كبيرة نسبيا، لكن الدكتور ويليام بيرد، الطبيب العام من بريطانيا يرى أن “هذه النسبة ليس مبالغا بها كما يعتقد البعض، فعند معرفة الفوائد الكبيرة للمشي والأمراض الكثيرة التي يسهم في تجنبها لن يبقى هناك مجال للتساؤل”.

ويسهب الدكتور بيرد في ذكر الفوائد الجمة للمشي بالقول إن “المشي السريع يؤدي إلى إنتاج المزيد من الخلايا الطبيعية القاتلة التي تشكل جزءا هاما من جهازنا المناعي بوصفها خط دفاع أول ضد الأجسام الغريبة والفيروسات التي تنفذ إلى أجسادنا عبر الفم أو الأنف”.
ولا تقتصر فوائد المشي على الجهاز المناعي فقط، فهو يسهم في تعزيز الصحة العقلية والجسدية؛ إذ يقي من الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني، كما ينشط الدورة الدموية ويحسن النوم ويخفف من التوتر والإجهاد النفسي. ولكن هل تتحقق هذه الفوائد عبر جميع أنواع المشي؟

بحسب الدكتور بيرد، فإن المشي بجميع أنواعه مفيد للصحة، إجمالا، ويظل أفضل من عدمه، ولكن سرعة المشي تلعب دورا فارقا في تجنب الموت المبكر والأمراض المزمنة، بحسب الدراسة.
ولمعرفة ما إذا كانت سرعة خطواتك كافية لتحقيق تلك الفوائد، يقول الدكتور بيرد: “حاول الغناء بينما تمشي، إذا استطعت ذلك، فأنت لا تمشي بسرعة كافية”، فخلال ممارستك للمشي السريع قد تستطيع التحدث ولكنك لن تستطيع الغناء.
والمؤكد أن المشي مفيد لكافة الفئات العمرية، ولكن الدراسات المختلفة تركز على أهميته في حياة الأشخاص في منتصف العمر، تحديدا؛ لأن الأمراض المرتبطة بضغط الدم والسكري وغيرها، غالبا ما تبدأ في الظهور في هذا العمر.
وبفضل التقدم التكنولوجي، يمكنك أن تمشي وتترك للتطبيقات المختلفة على هاتفك الذكي مهمة التسجيل البيانات الخاصة برحلتك، من عدد السعرات الحرارية التي تحرقها وقياس سرعة ضربات القلب إلى مدى انخفاض معدل التوتر.

المشي اضطرارا

تحول المشي في العقود الأخيرة إلى ثقافة في البلدان المتقدمة حيث تتوافر الأماكن الخاصة بالتريض، لكن التريض مشيا قد يكون ضربا من الرفاهية في مناطق أخرى. بسبب عدم توفر الأماكن والشوارع الملائمة، كما يدفع عدم توفر وسائل المواصلات، في بعض البلدان العربية كسوريا ولبنان وغيرها، الكثيرين إلى المشي، اضطرارا، لمسافات طويلة، لاسيما مع تفاقم الأزمات الاقتصادية ونقص الوقود في تلك الدول.

ويقول المواطن اللبناني، ثيودور أبي ناصر، بينما يتجول في أحد شوارع بيروت المزدحمة، إن “الناس اليوم في لبنان يمشون كثيرا، ليس لسبب يتعلق بالصحة، إنما لتوفير القليل من المال”.
أما في سوريا، فلا يختلف الوضع كثيرا، فبحسب سيا دغموش، التي تعي، بدورها، أهمية المشي للصحة العامة “يضطر السوريون إلى المشي بسبب عدم توفر الوقود من بنزين ومازوت لوسائل النقل المختلفة، وهو أمر غير طبيعي في رأيي”.
وبعيدا عن الاضطرار أو الاختيار، يتفق الباحثون أن ذلك لن يقلل من فوائد المشي.
ويقول الدكتور بيرد إن “المشي في الشوارع المزدحمة، التي قد ترتفع فيها نسبة تلوث الهواء، يظل أقل خطرا من المشكلات الصحية التي قد يجلبها عدم ممارسة المشي والحركة”.
وأدى التطور التقني وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في الكثير من القطاعات إلى استحداث وظائف تتطلب الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض الجسدية والنفسية، كما أن إنسان العصر الحديث تأقلم بدوره مع هذا التطور التكنولوجي، بعد أن كان، في قديم الزمان، يضطر لقضاء جلَّ يومه في الحركة للبحث عن الطعام.

ولا شك أن التقنيات الحديثة أدت إلى تراجع الجهد البدني الذي كان الناس يضطرون لبذله، غير أنها كرَّست، أيضا، الحاجة إلى قوة الأدمغة والتفكير الإبداعي، في أغلب القطاعات، والخبر الجيد هو أن المشي كفيل بتحفيز التفكير الإبداعي وتنشيط أدمغتنا للإتيان بالأفكار والحلول، لذا حينما يستعصي عليك تسليم بحثٍ ما أو إنهاء مهمة أوكلها إليك مديرك في العمل، ما عليك إلا ممارسة المشي.

Exit mobile version