الطباعة ثلاثية البعد للأعضاء.. كيف تتم وهل في وسع المريض تحمل كلفتها؟
مجلة نبض – CNN:
ماذا لو تمكن الأطباء من طباعة كٍلية مستخدمين خلايا من المريض، عوض الاضطرار للعثور على متبرع متطابق، مع تمني ألا يرفض جسم المتلقي الكلية المزروعة من الواهب؟
وبحسب جينيفر لويس، الأستاذة بمعهد Wyss للهندسة المستوحاة بيولوجيًا في جامعة هارفارد، قد يصبح ذلك ممكنًا خلال عقد من الزمن، بفضل الطباعة الحيوية للأعضاء ثلاثية البعد.
الطباعة الحيوية للأعضاء قوامها استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية البعد لتجميع أنواع متعددة من الخلايا، وعوامل النمو، والمواد الحيوية، بغية مراكمة طبقة تلو الأخرى حد إنتاج أعضاء اصطناعية حيوية تقلّد بشكل مثالي نظيراتها الطبيعية، وفقًا لدراسة أجريت عام 2019.
وأوضحت لويس أن هذا النوع من الطب التجديدي ما زال في مرحلة التطوير، وأن القوة الدافعة وراء هذا الابتكار تتمثل بـ”حاجة بشرية حقيقية”.
في الولايات المتحدة، يوجد 106،800 رجل وامرأة وطفل على قائمة الانتظار الوطنية لزراعة الأعضاء اعتبارًا من 8 مارس/ آذار 2023، وفقًا لإدارة الموارد والخدمات الصحية.
ومع ذلك، فإن المتبرعين الأحياء يقدمون فقط حوالي 6 آلاف عضو سنويًا كمعدل وسطي، وهناك حوالي 8 آلاف متبرع يموتون سنويًا ويقدم كلّ منهم 3.5 عضوًا كمعدل وسطي.
سبب هذا التناقض يعود إلى أن هناك”مجموعة من الأشخاص الذين خضعوا لأحداث صحية كارثية، لكن أعضاءهم ليست عالية الجودة بما يكفي للتبرع بها، أو أنّهم ليسوا على قائمة المتبرعين بالأعضاء. وفي الحقيقة يصعب العثور على تطابق جيد “حتى لا يرفض جسد المريض العضو المزروع”، وفق لويس.
من جهته، أشار الدكتور أنتوني أتالا، مدير معهد ويك فورست للطب التجديدي، إلى أنه رغم كون المتبرعين الأحياء يشكلون خيارًا، فإن “إجراء عملية جراحية على شخص لا يحتاجها” يمثل مخاطرة كبيرة.
وتابع: “لذا، فإن المتبرعين الأحياء ليسوا عادةً الطريقة المفضلة إذ أنك حينها تأخذ عضوًا بعيدًا عن شخص آخر قد يحتاج إليه، لا سيما الآن مع تقدمنا في العمر”.
كان أتالا وزملاؤه مسؤولين عن زراعة المثانة البشرية في المختبر يدويًا عام 2006، وزرع عضو داخلي معقد لأول مرة، أدى إلى إنقاذ حياة ثلاثة أطفال زرعوا لهم مثانة.
وبحسب إدارة الموارد والخدمات الصحية، يتوفى 17 شخصًا يوميًا في انتظار عملية زرع الأعضاء.
وتقول الوكالة إنه كل 10 دقائق، تتم إضافة شخص آخر إلى قائمة الانتظار.
احتاج أكثر من 90٪ من الأشخاص المدرجين على قائمة الزرع عام 2021 إلى كِلْية.
هناك حوالي مليون شخص في أنحاء العالم بحاجة إلى كلية. وقال لويس: “لديهم فشل كلوي في مرحلته النهائية، وعليهم أن يخضعوا لغسيل الكلى”.
وتابع: “بمجرد أن يبدأ المريض بغسيل الكلى، يكون لديه في الأساس 5 سنوات للعيش، وفي كل عام، يزداد معدل الوفاة لديه بنسبة 15%”. غسيل الكلى صعب للغاية على الجسم. ما يعد محفزًا لمواجهة هذا التحدي الكبير المتمثل بطباعة الأعضاء”.
طباعة الأعضاء
لبدء عملية الطباعة الحيوية للعضو، يبدأ الأطباء عادةً بخلايا المريض نفسه.
وأشار أتالا إلى أنّهم يأخذون خزعة بإبرة صغيرة من أحد الأعضاء أو يقومون بإجراء جراحي قليل التوغل يأخذون من خلاله قطعة صغيرة من الأنسجة، “بحجم يقل عن نصف طابع بريدي”.
وتابع: “من خلال فصل هذه القطعة الصغيرة من الأنسجة، يمكننا فصل الخلايا عن بعضها ونقوم بتنميتها وتوسيعها خارج الجسم”.
يحدث هذا النمو داخل حاضنة معقمة أو مفاعل حيوي، أي وعاء مضغوط من الفولاذ المقاوم للصدأ يساعد الخلايا على البقاء تتلقى المغذيات – تسمى “الوسائط”، ويقوم الأطباء بإطعامها كل 24 ساعة، إذ أن الخلايا لها عملية الأيض الخاصة بها.
ولفت أتالا إلى أن كل نوع من الخلايا له وسائط مختلفة، وتعمل الحاضنة أو المفاعل الحيوي كجهاز يشبه الفرن، يحاكي درجة الحرارة الداخلية والأكسجين في جسم الإنسان.
وقال أتالا: “ثم نخلطه مع جل يشبه الصمغ، موضحا أن كل عضو في الجسم يحتوي على الخلايا والصمغ الذي يربطها ببعضها البعض.
ورأت لويس أن هذا الصمغ هو اللقب الذي أطلقه أتالا على الحبر الحيوي، وهو مزيج قابل للطباعة من الخلايا الحية، والجزيئات الغنية بالماء تسمى الهلاميات المائية، والوسائط وعوامل النمو التي تساعد الخلايا على الاستمرار بالتكاثر.
وتحاكي الهلاميات المائية المصفوفة خارج الخلية جسم الإنسان، التي تحتوي على مواد تشمل البروتينات والكولاجين وحمض الهيالورونيك.
ولفتت لويس إلى أن المواد الحيوية المستخدمة عادة يجب أن تكون غير سامة وقابلة للتحلل الحيوي ومتوافقة حيويًا، لتجنب الاستجابة المناعية السلبية.
يعد الكولاجين والجيلاتين من أكثر المواد الحيوية شيوعًا المستخدمة في الطباعة الحيوية للأنسجة أو الأعضاء.
عملية الطباعة
يقوم الأطباء بتحميل كل رابط حيوي – اعتمادًا على عدد أنواع الخلايا التي يرغبون بطباعتها – في غرفة الطباعة، “باستخدام رأس الطباعة والفوهة لقذف الحبر، وبناء المادة طبقة تلو الأخرى”.
وأوضح أتالا أن إنشاء الأنسجة بخصائص محددة يتم تمكينه من خلال الطابعات التي تتم برمجتها باستخدام بيانات التصوير الخاصة بالمريض من الأشعة السينية، أو عمليات المسح.
المدة التي تستغرقها عملية الطباعة تعتمد على عوامل عدة، ضمنًا العضو أو الأنسجة التي تتم طباعتها، والدقة، وعدد رؤوس الطباعة المطلوبة، لكنها تدوم عادة بين بضع ساعات وساعات عديدة.
ولفت أتالا أنّ المدة المستغرقة بأكملها من لحظة أخذ الخزعة إلى الزرع تستغرق حوالي أربعة إلى ستة أسابيع.
وقالت لويس إن التحدي النهائي يتمثّل بـ”جعل الأعضاء تعمل كما ينبغي”، لذا فإن تحقيق ذلك هو الغاية.
وأضافت: “تمامًا كما لو كنت ستأخذ عضوًا من متبرع، عليك أن تُدخل هذا العضو على الفور في مفاعل حيوي وتبدأ بإروائه وإلا تموت الخلايا”.
والتروية الدموية للعضو تعني إمداده بالسوائل، عادة بالدم أو بدائل الدم، من طريق تدويره عبر الأوعية الدموية أو القنوات الأخرى.
عندما تصبح الطباعة البيولوجية للأعضاء خيارًا متاحًا، لا ينبغي أن تشكل القدرة على تحمل التكاليف مشكلة بالنسبة للمرضى والقائمين على رعايتهم.
وتعد التكاليف المرتبطة بفشل الأعضاء باهظة للغاية. فقط لإبقاء المريض على غسيل الكلى يكلف أكثر من ربع مليون دولار في السنة، “لذا، فإن إنشاء عضو يمكنك زرعه في المريض يعد أقل تكلفة بكثير”، بحسب أتالا.
بلغ متوسط تكلفة زراعة الكلى 442،500 دولار عام 2020، وفقًا لبحث نشرته الجمعية الأمريكية لأمراض الكلىـ بينما تباع الطابعات ثلاثية البعد بحوالي بضعة آلاف من الدولارات إلى ما يزيد عن 100 ألف دولار، اعتمادًا على مدى تعقيدها.
ورغم توفر طابعات منخفضة التكلفة، إلا أن الأجزاء باهظة الثمن من الطباعة الحيوية قد تشمل الحفاظ على بنوك الخلايا للمرضى، وزراعة الخلايا، والتعامل مع المواد البيولوجية بأمان.
وأكدت لويس أن بعض التكاليف الرئيسية لزراعة الأعضاء الحالية تتمثل بـ”استئصال العضو من المتبرع، وتكاليف النقل، ثم بالطبع الجراحة التي يمر بها المتلقي، ثم الرعاية والمراقبة اللاحقة”.