المناهج الصحية
الكاتب: د.بندر علي سليمان
تسعى الكليات الصحية في جميع أنحاء العالم إلى الرقي بمخرجاتها التعليمية الطبية والتدريبية الإكلينيكية للخروج بكادر طبي مؤهل يمكن للمجتمع أن يعتمد عليه في عملية التشخيص والعلاج والوقاية والبحث الطبي على حد سواء . فنجد أن الكليات الصحية المختلفة تقوم بإنشاء وحدات متخصصة للتلعيم الطبي في أقسامها لضمان جودة المناهج وفاعليتها في تقديم التعليم الصحي المطلوب لكل فئة من الممارسين الصحيين . ولا يمكن بأي حال من الأحوال ضمان كفاءة الخريجين من الكليات الصحية بناء على خطط تربوية ومناهج تعليمية تم وضعها قبل عشرات السنين ، فالعلوم الطبية الأساسية وكذلك التخصصات الإكلينيكية المختلفة تتطوّر وتتحدّث وتتغيّر بشكل سريع ودوري بناءً على آخر الإختراعات وأحدث الإكتشافات في شتى المجالات ، طبية كانت أو غير طبية ، لأن الثورة التقنية في مجالات الحاسبات مثلاً أحدثت تغييراً جذرياً في العملية التعليمية بشكل عام والصحية بشكل خاص .
إن الكليات الصحية عبر القارات أصبحت تستخدم أسلوب الدمج العلمي في تطوير المناهج لتصبح المادة العلمية مستساغة أكاديمياً ومتخصصة علمياً . فمثلاً يتم دمج مادتي أساسيات المناعة والمايكروبات الطبية للخروج بمنهج للأمراض الوبائية حيث يستطيع الطالب فهم التناغم الخلوي الرهيب بين مسببات المرض الجرثومية وتراكيبها البيولوجية وطريقة تعامل الجهاز المناعي لكل نوع منها تحديداً بناءً على ذلك التركيب . ومثال آخر في استحداث منهج لعملية التشخيص المخبرية للأمراض عوضاً عن تخصيص مناهج منفردة للكيمياء العضوية والكيمياء التحليلية والفيزياء الطبية بحيث يتم ربط كل تلك العلوم الأساسية بمهارات معملية يستطيع من خلالها الممارس الصحي ضرورتها وفهم السبب الحقيقي وراء دراستها . ذلك أن فصل المناهج الصحية المتخصصة عن بعضها البعض يساعد على تشتيت التركيز الذهني للطالب والإنقاص من إمكانية الربط العملي والتطبيقي للمناهج مما يؤثر سلباً على الأداء في سنة الامتياز وفي العمل . ويؤدي هذا أيضاً إلى تشكّل فجوة كبيرة في ذهن الطالب بين ذلك العدد الهائل من المناهج الدراسية الصحية وبين آلية الممارسة الإكلينيكية أو المعملية في المستشفيات والمراكز الصحية ، حيث تبدو كل واحدة منهما منفصلة تماماً وغير متربطة بالأخرى إطلاقاً .
أن الجمود الملحوظ في وتر التطوير والتحديث في المناهج الطبية والصحية الحالية يعكس مدى الجمود في العملية التعليمية التي تستهدف أهم وأخطر فئة في سوق العمل السعودي : الممارسين الصحيين . لذلك فإن مسئولية تطوير المناهج يقع عاتقها على الجميع من أكاديميين وأطباء وصيادلة وممرضين وأخصائيين بمختلف مجالاتهم ، وعلى الطلبة أنفسهم الذين سيكون لهم دور كبير في المستقبل القريب – دون أي شك – في عملية تطوير المناهج الطبية في المملكة .