اعرف أكثر عن الداء السكري
د.فادي رضوان
رئيس تحرير جديد الصحة والطب
مدير مجمع الترجمة الطبية
صحيحٌ أن الداء السكري وصل لما يمكن أن نعده فيه أنه بات يشكل وباء عالمنا في العصر الحديث، فمنظمة الصحة العالمية تفيد أن هناك 347 مليون مريض سكري في العالم، وأن هناك 3,4 مليون حالة وفاة سنوياً بسبب المضاعفات المباشرة للداء السكري، غير أننا نحمد الله على نعمة التطور السريع للعلاج ووسائل التشخيص ورعاية مرضى السكري. فلو كنت مريض سكري، فأمامك الكثير جداً من وسائل العلاج الفعالة والتوصيات الصحية المبنية على أبحاث علمية متطورة، بشكلٍ يتيح لك عند الالتزام بها أن تتمتع بحياة طبيعية منتجة وبأن تتفادى المضاعفات المتأخرة الخطيرة لهذا المرض المزمن، وهو ما لم يكن متوفراً في النصف الأول من القرن الماضي. فكان مرضى السكري ينتهون سريعاً بأطراف مبتورة أو بالعمى أو بآفات قلبية شديدة بسبب مضاعفات هذا المرض.
ما هو الداء السكري؟ وما أنواعه؟
يشير مصطلح الداء السكري diabetes mellitus لمجموعة من الأمراض التي تؤثر على مقدرة جسم الإنسان في التعامل مع سكر الدم (الغلوكوز). والغلوكوز عنصر أساسي في الصحة لأنه مصدر طاقة مهم لخلايا الجسم التي تشكل الأنسجة المختلفة مثل العضلات كما أنه يشكل مصدر الوقود الأساسي للدماغ.
سيصبح لدى الشخص عند إصابته بالسكري، من أي نوعٍ كان، غلوكوز زيادة عن اللزوم في دمه، وهذا سيؤدي لمضاعفات صحية خطيرة.
إذن، الداء السكري هو مرض مزمن (مديد) ينجم إما عن عدم إنتاج غدة البنكرياس لما يكفي من هرمون الأنسولين الذي ينظم سكر الدم، أو عندما لا يستطيع الجسم أن يستخدم بفعالية هذا الأنسولين، أو لكلا السببين. وهذا يؤدي بالنتيجة لارتفاع مستويات سكر الدم، ما يؤدي لمضاعفات صحية وأعراض متنوعة.
للداء السكري ثلاثة أنواع رئيسة:
- الداء السكري من النوع 1 (وكان يُسمى في السابق الداء السكري المعتمد على الأنسولين أو سكري الأطفال). وهو يتميز بنقص إنتاج الأنسولين وبظهوره في عمر صغيرة.
- الداء السكري من النوع 2 (وكان يُسمى في السابق الداء السكري غير المُعتمد على الأنسولين، أو سكري البالغين). ويتميز بعدم مقدرة الجسم على استخدام الأنسولين بفعالية، ويظهر عند الكهول عادةً وينجم عن زيادة وزن الجسم وقلة النشاط الجسدي في غالب الأحيان.
- السكري الحملي. وهو ارتفاع سكر الدم الذي يظهر لأول مرة أثناء الحمل. وهو يشفى تلقائياً عادة بعد الحمل.
أسباب السكري وعوامل خطورة الإصابة به
لا بد لفهم الداء السكري من معرفة كيف يتعامل الجسم مع الغلوكوز (سكر الدم)، ودور الأنسولين في تنظيمه.
يُفرز الأنسولين من غدة البنكرياس الموجودة خلف المعدة:
- يُفرز البنكرياس الأنسولين إلى مجرى الدم.
- يُمكِّن الأنسولين السكر من الدخول إلى الخلايا.
- يخفض الأنسولين مقدار السكر في الدم.
- يقلل البنكرياس إفراز الأنسولين عند انخفاض سكر الدم.
أما بالنسبة لسكر الدم (الغلوكوز) فهو مصدر طاقة رئيسي للعضلات وباقي الأنسجة. وهو يأتي من مصدرين: الطعام والكبد. بعد دخول الغلوكوز إلى مجرى الدم يدخل إلى خلايا الجسم بمساعدة الأنسولين، كما يقوم الكبد بتصنيع الغلوكوز وتخزينه على شكل غليكوجين إلى وقت الحاجة له. وعندما ينخفض مستوى الغلوكوز في الدم، كما عند الصيام، يفكك الكبد الغليكوجين ليبقى مستوى الغلوكوز في الدم ثابتاً.
– أسباب السكري من النوع 1 وعوامل خطورة الإصابة به: لا نعرف السبب الدقيق للسكري من النوع 1, وما نعرفه أن جهاز الجسم المناعي، الذي يهاجم الأحياء الضارة عادةً، يهاجم الخلايا التي تصنع الأنسولين في البنكرياس عن طريق الخطأ. وهذا يحرم الجسم من الأنسولين الذي يعمل على إدخال السكر إلى الخلايا، ما يؤدي إلى تراكم الغلوكوز وارتفاعه في الدم. يعتقد العلماء أن السكري من النوع 1 يحدث بسبب تشارك استعداد وراثي مع عوامل بيئية لا يزال العلماء يحاولون تحديدها. هناك عدة عوامل تتهمها الأبحاث بالتسبب بالسكري من النوع 1، مثل وجود قصة عائلية للإصابة بالمرض، ووجود قصة عائلية للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وعوامل تغذوية مثل نقص الفيتامين D وشرب حليب البقر في عمر مبكرة، وعوامل جغرافية حيث تكثر الإصابة في بلدان معينة مثل فنلندة والسويد.
– أسباب السكري من النوع 2 وعوامل خطورة الإصابة به: تصبح خلايا الجسم في السكري من النوع 2 مقاومةً لتأثير الأنسولين، كما أن البنكرياس لا يكون بإمكانه إنتاج ما يكفي من الأنسولين للتغلب على تلك المقاومة. وبدلاً من أن يدخل السكري إلى خلايا الجسم، يتراكم في الدم فترتفع مستوياته. لا نعرف بالضبط سبب حدوث ذلك، لكن يعتقد أنه نتيجة تشارك عوامل بيئية وأخرى وراثية. يلعب فرط الوزن دوراً كبيراً في الإصابة بالسكري من النوع 2. عوامل الخطورة الرئيسية في الإصابة بالسكري من النوع 2 هي البدانة وقلة النشاط ووجود قصة عائلية وتقدم العمر.
– أسباب السكري الحملي وعوامل خطورة الإصابة به: تفرز المشيمة أثناء الحمل هرمونات لتثبيت الحمل، وتجعل تلك الهرمونات خلايا الجسم أكثر مقاومة للأنسولين. يستجيب البنكرياس عادةً لازدياد تلك المقاومة بإفراز أنسولين أكثر، وهذا لا يحدث أحياناً، ما يتسبب بإصابة الحامل بالسكري. وتتضمن عوامل خطورة الإصابة بالسكري الحملي العمر الأكبر من 25 سنة، ووجود تاريخ عائلي أو شخصي في حمل سابق، وارتفاع وزن الحامل.
ما هي الأعراض والعلامات التي تشير للإصابة بالسكري؟
تختلف أعراض الداء السكري بحسب مقدار ارتفاع سكر الدم. قد لا يشكو بعض مرضى الداء السكري، لاسيما مرضى النوع 2 منه، من أية أعراض في البداية. بينما تميل الأعراض في النوع 1 لأن تظهر سريعاً ولأن تكون شديدة.
الأعراض والعلامات الرئيسية في الداء السكري هي:
- ازدياد العطش.
- تبوُّل متكرر.
- جوع دائم.
- نقص وزن غير مُفسَّر.
- وجود كيتونات ketones في البول (والكيتونات هي منتجات ثانوية لتحلل العضلات والدهون والذي يحدث عند عدم وجود ما يكفي من الأنسولين).
- تعب ووهَن.
- تهيُّج.
- تغيّم الرؤية.
- بطء التئام الجروح.
- تكرر الإصابة بحالات عدوى، مثل حالات العدوى التي تصيب اللثة والجلد والمهبل.
ما هي مُضاعفات الإصابة بالداء السكري؟
كما ذكرنا آنفاً، كانت مضاعفات السكري في السابق تنتهي سريعاً بنتائج وخيمة على مرضى السكري، فكان بتر الأطراف وفقد البصر على سبيل المثال، مصير نسبة كبيرة جداً من مرضى السكري. ونحمد الله على التطور الكبير في الصيدلة والطب والذي أثر بشكلٍ عميق على نسبة حدوث تلك المضاعفات.
تتطور المضاعفات طويلة الأجل لمرض السكري على نحوٍ تدريجي. وكلما طالت مدة الإصابة بهذا المرض، وكلما كان ضبطه بالعلاج سيئاً، وازدادت خطورة تلك المضاعفات. وتتضمن المضاعفات الممكنة ما يلي:
* الأمراض القلبية الوعائية. يرفع السكري على نحوٍ كبير خطورة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. بما في ذلك أمراض الشرايين التاجية والذبحة الصدرية والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وتضيق الشرايين (التصلب العصيدي atherosclerosis).
* تضرر الأعصاب (اعتلال الأعصاب neuropathy). يؤذي ارتفاع سكر الدم جدران الأوعية الشعرية الدقيقة capillaries، ما يؤدي لتخرب الأعصاب التي تغذيها، لاسيما في الرجلين. وهذا ينتهي بوخز واخدرار وحرقة وألم في رؤوس أصابع اليدين والرجلين، يأخذ بالانتشار للأعلى مع مرور الوقت. وقد ينتهي الأمر بفقد الإحساس لو تُرِك دون علاج. كما قد تؤدي إصابة الأعصاب الحشوية باضطرابات مثل الغثيان أو القياء أو الإسهال أو الإمساك. وقد تؤدي للعنانة عند الرجال.
* تضرّر العين (الاعتلال الشبكي retinopathy). قد يتلف السكري الأوعية الدموية في شبكية العين (الاعتلال الشبكي السكري)، ما قد يؤدي لفقد البصر. كما يرفع السكري خطورة الإصابة باضطرابات شديدة في البصر، مثل الماء البيضاء (الساد cataract) والماء السوداء (الزّرَق glaucoma).
* تضرر الكلية (اعتلال الكلية nephropathy). تحوي الكلية على ملايين من عناقيد أوعية دموية دقيقة (الكُبيبات glomeruli)، والتي تقوم بتصفية الفضلات من الدم. وقد يتلف السكري جهاز التصفية الدقيق هذا، وقد يؤدي التلف الشديد إلى الفشل الكلوي أو المرض الكلوي غير العكوس في مرحلته الأخيرة، وهذا يحتاج لغسيل الكلية أو زرع كلية.
هذا بالإضافة لمضاعفات أخرى، مثل القدم السكرية، ونقص السمع، والمشاكل الجلدية، وغيرها من المضاعفات مثل المضاعفات التي تصيب الحوامل.
الخطوط العريضة لعلاج الداء السكري
قد يلعب الأنسولين وباقي العلاجات الفموية دوراً في علاج الداء السكري، بحسب نوعه ومقدار ارتفاع سكر الدم. كما أن تناول نظام غذائي صحي والحفاظ على وزن جسم صحي والمساهمة في النشاطات البدنية عوامل مهمة جداً في ضبط الداء السكري.
الإجراءات الصحية العامة:
– الأكل الصحي. على العكس من الاعتقاد الشعبي، ليس هناك نظام صحي خاص بالسكري. ما يحتاجه مريض السكري هو أن يرتكز نظامه الغذائي على الفواكه والخضار والحبوب الكاملة، والتقليل من المنتجات الحيوانية والكربوهيدرات المكررة والحلويات. ولا بأس بالمأكولات السكرية بين فينة وأخرى.
– النشاط الجسدي. نحتاجُ جميعنا للقيام بتمارين الآيروبيك، ومرضى السكري ليسوا خارج تلك القاعدة. تقلل التمارين الرياضية مستوى السكر في الدم عن طريق إدخاله إلى الخلايا التي تحتاجه كمصدر طاقة. كما ترفع الرياضة حساسية الجسم للأنسولين فتقلل من الحاجة لكميات مرتفعة منه.يمكنك اختيار رياضة تحبها، مثل المشي أو السباحة أو الآيروبيك أو ركوب الدراجة، لكن ما يهم هو أن تجعل ذلك نشاطاً يومياً لا يقل عن نصف ساعة في معظم أيام الأسبوع.
العلاجات الطبية والدوائية للداء السكري
– مراقبة سكر الدم. بحسب خطة العلاج، قد تصل عدد مرات مراقبة غلوكوز الدم من بضعة مرات في الأسبوع، إلى 4-8 مرات يومياً. ومراقبة سكر الدم هي الطريقة الوحيدة للتأكد من بقائه ضمن الحدود المقبولة. وقد يراقب مرضى السكري من النوع 1 سكر الدم عندهم باستخدام مِرقاب الغلوكوز المستمر.
وبالإضافة للمراقبة اليومية، سوف يطلب الطبيب فحص A1c على نحوٍ منتظم. ويقدر هذا الفحص معدل سكر الدم في آخر شهرين أو ثلاثة، وقد يجري الطبيب تعديلات في خطة العلاج لو كان مرتفعاً.
– الأنسولين. يحتاج مرضى السكري من النوع 1 للأنسولين كي يظلوا على قيد الحياة. وقد يحتاج العديد من مرضى السكري الحملي أو السكري من النوع 2 للعلاج بالأنسولين كذلك. لا يمكن أخذ الأنسولين فموياً، وعادةً ما نعطيه تحت الجلد باستخدام إبر رفيعة أو باستخدام قلم الأنسولين.
ويمكن أن يختار المريض استخدام مضخة الأنسولين insulin pump، وهو جهاز بحجم الهاتف الجوال تقريباً يرتديه المريض خارج جسمه ويوصل الأنسولين إلى تحت البطن بأنبوب رفيع. وهناك مضخات دون أنابيب تعمل بجهاز تحكم عن بعد.
وهناك طريقة علاجية حديثة غير متوافرة بعد اسمها البنكرياس الإصطناعية artificial pancreas، يصل بين مِرقاب غلوكوز مستمر وبين مخزن الأنسولين. وهو يعطي الأنسولين بحسب الكمية التي يحتاجها الجسم.
– الأدوية الفموية الخافضة لسكر الدم والأدوية الأخرى. يصف الطبيب لاسيما لمرضى الداء السكري من النوع 2 أدوية أخرى تحث البنكرياس على إفراز الأنسولين، أو تثبط إنتاج وإفراز الكبد للغلوكوز. وهناك أدوية أخرى تمنع عمل الأنزيمات المعدية والمعوية التي تفكك الكربوهيدرات أو تجعل الأنسجة أكثر حساسية للأنسولين.
– الزرع. قد يكون زرع البنكرياس خياراً مطروحاً عند مرضى السكري من النوع 1. كما أجريت دراسات على زرع جزر لانغرهانس. قد يستغني المريض عن إبر الأنسولين بعد الزرع، غير أنه لا ينجح دوماً وقد يكون للعملية مضاعفات خطيرة. وسيحتاج المريض لأخذ دواء كابح للمناعة طيلة حياته لمنع جسمه من رفض البنكرياس، وتلك الأدوية لها آثار جانبية خطيرة.
– جراحة البدانة Bariatric surgery. مع أن جراحات البدانة ليست مخصصة في الأصل لعلاج السكري. غير أن مرضى السكري من النوع 2 الذين يكون مشعر كتلة الجسم BMI عندهم أكثر من 35 سوف يستفيدون من هذا النوع من العمليات. وأظهر مرضى الداء السكري من النوع 2 تحسناً كبيراً في مستويات سكر الدم بعد عملية المفاغرة المعدية.
المراجع
- http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs312/en/
- http://www.who.int/topics/diabetes_mellitus/en/
- http://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/diabetes/basics/definition/con-20033091
- http://www.medicalnewstoday.com/info/diabetes/
- http://neuropathy-miracle.com/?hop=discountpa
- http://www.medicalnewstoday.com/info/diabetes/
- http://www.diabetes.org