الإيبولا: هل يمكننا تشخيص الأمراض النادرة بهواتفنا الذكية؟
مجلة نبض-BBC:
هاتفك الذكي يمكن أن يساعد في تشخيص الأمراض النادرة مثل فيروس الإيبولا، كما يقول الصحفي في بي بي سي ديفيد روبسون. وفي يوم ما، قد تستخدم الهواتف الذكية في العمليات الجراحية أيضا بدلا من الطبيب.
في وقت يتصاعد فيه الخوف من فيروس الإيبولا، يعتقد إيريك توبول، أستاذ علم الوراثة في معهد سكريبس للبحوث في كاليفورنيا، أننا نفتقد سلاحا هاما. وما تحتاجه فقط هو أن تمد يدك إلى جيبك للعثور عليه.
ويضيف: “يمكن تشخيص غالبية الأمراض المعدية باستعمال هاتف ذكي، وبدلاً من وضع الناس في الحجر الصحي لمدة ثلاثة أسابيع – لماذا لا نرى إذا ما كانوا يحملون المرض في دمائهم؟”
الاستجابة الأسرع يمكن أن تساعد أيضا في منع الأخطاء، من قبيل الخطأ الذي وقع مع أحد المرضى في دالاس الذي أعيد إلى بيته من المستشفى مع ارتفاع في درجة الحرارة، فقط ليموت لاحقاً من العدوى.
هو ادعاء مثير، ولكن توبول لا يتورع عن الدعوة لثورة على الطريقة التي نتعامل بها مع فيروس الإيبولا – أو أي قضية صحية أخرى مشابهة، وقد بشر توبول في كتاب آخر له بما سماه “التدمير الخلاق للطب” من خلال استخدام تكنولوجيا جديدة.
الهواتف الذكية تساعد فعلا على التخلص من الجوانب المزعجة من الإصابة بالمرض مثل الزيارات الطويلة للمستشفيات والانتظار المؤلم للعلاج. طريقة أسهل لتشخيص فيروس إيبولا كما سنرى بعد قليل مجرد مثال واحد لهذه التغييرات الكاسحة.
العديد من هذه التحولات يتوقف على ما يمكن أن يقدمه الهاتف النقال من فهم لحياة الواحد منا. في الوقت الراهن، معظم الأطباء يعتمدون على طريقة ثابتة للتعرف على أسلوب حياة المريض، تقوم على مقابلة مرضاهم وجها لوجه.
بدائل حديثة
لكن هواتفنا النقالة تقدم رواية تفصيلية عن أسلوب حياتنا وسلوكنا. وتقول ديبورا إيسترن في جامعة كورنيل: “الهاتف الذكي ينتقل معنا في كل مكان، فمنه يمكنك معرفة متى سيخرجون من المنزل، مدى حاجتهم إلى الإسعاف، سرعة انتقالهم من مكان إلى آخر، والهاتف هو آخر شيء تلمسه قبل النوم وأول شيء تلمسه عند الاستيقاظ، ولذلك بإمكانك أن تعرف أنماط النوم للمريض.”
فضلاً عن ذلك، يمكن من خلال وصله بجهاز بسيط أن نقيس ضغط الدم، ومستوى السكر في الدم، أو حتى تحليل البول. ومع ذلك، عدد قليل من الأطباء قد تبنى هذه الاحتمالات حتى الآن.
يقول توبول: “الشرنقة الطبية لم تسمح للتكنولوجيا الرقمية بغزوها، في حين أن بقية العالم قد استوعب الثورة الرقمية في حياته اليومية.”
لا يعزى ذلك إلى النقص في الطلب على استخدام التكنولوجيا: فالعديد من المرضى يقومون بالفعل برصد حالتهم الصحية عن طريق الهاتف، مع تطبيقات تمكنك من صورة ذاتية (سيلفي)، على سبيل المثال، أن تفحص إذا كان جلدك مصاباً بالسرطان.
هذه البرامج ليست مصممة دائماً بالدقة التي يتطلبها معظم الأطباء، ويخشى البعض من أن تشخيصاً غير صحيح أو إعطاء تقدير زائف بالخلو من المرض، يمكن أن يكلف المريض حياته.
“كلما كان نظام الرعاية الصحية بطيئاً في استكشاف هذه الأمور، كلما كان هناك المزيد من الناس المعرضين للخطر بسبب تشخيصهم لأنفسهم بأنفسهم،” حسبما تقول إيسترن.
متابعة
حالياً، يقترح توبول و إيسترن أن تستخدم تطبيقات الهواتف الذكية لمراقبة وتحسين العلاج الذي يتلقاه المريض. ويضرب توبول مثالاً لذلك بمريض يعاني من مرض القلب يمكن له استخدام تطبيق على هاتفه النقال لمراقبة ضغط الدم خلال الأسبوع.
ويضيف: “ثم يعرف المريض أن ضغط دمه يصبح غير عادي عند عودته للعمل في بداية الأسبوع، أو عندما ينتهي تأثير الدواء بحلول المساء. هذه الأشياء التي لا أعرفها عندما يزورني المريض في عيادتي.”
في الوقت ذاته تقترح إيسترن أن تتبع حركات مريض التهاب المفاصل يمكن أن يحدد الأوقات التي يشتد فيها الألم، مما يمكن الطبيب من وضع خطة علاج تجهض لحظات الألم الشديد، وتحول دون وقوع مزيد من الأضرار بالمفاصل.
بيد أن تلك هي مجرد البداية، فالجمع بين هذه المعلومات وبين كل من البيانات الشخصية الوراثية وصور للبيئة الفريدة لبكتيريا الجسم – إذ يمكن لكلاهما التاثير على تطور المرض– يساعد في التعرف على النسيج المعقد للتأثيرات المختلفة التي تشكل الصحة لشخص ما.
وبإلامكان الآن الاستغناء عن استدعاء الطبيب لحل المشاكل التي لا تجد لها تفسيراً في الوقت الحالي، سواء كانت الصداع النصفي المزمن، أو الأرق، او عدم استقرار الجهاز الهضمي، أو أشياء أكثر غموضاً.
يقول توبول: “قدرتنا على كشف غموض بعض القضايا الطبية الآن لم يسبق لها مثيل”
وفي الوقت الذي تكتسب فيه هذه التطورات زخماً، يعتقد توبول أن أخذ موعد مع الطبيب سيصبح بالتدريج أمراً نادراً، ومع ذلك يضيف: “لن نشهد اختفاء العيادات بشكل كامل، لأن التقاء الطبيب بالمريض وجهاً لوجه أمر في غاية الأهمية، لكن الزيارات التي تتم عبر التواصل الإلكتروني ستشهد زيادة كبيرة. هذا من شأنه أن يغير بشكل جوهري علاقة الطبيب بالمريض.”
لكن ربما أفضل عرض لتوضيح دور التكنولوجيا يأتي من اندلاع الأزمات الصحية بشكل أكبر – بما في ذلك تفشي فيروس الإيبولا في الآونة الأخيرة.
سرعة التشخيص
وتشير إيسترن، على سبيل المثال، إلى أن استخدام بيانات الموقع المسجلة عن طريق الهاتف يمكن أن تساعدك على تتبع الأماكن التي مر بها الأشخاص المصابون بالعدوى، وبمن اتصل بهم من أفراد. وعلى الرغم من أن القلق من انتهاك الخصوصية الفردية يجعل من الصعب الحصول على هذه المعلومات، إلا أنها يمكن أن تكون وسيلة جيدة لمعرفة الناس الذين ينبغي عليك رصد أعراض المرض عليهم.
في هذا السياق يعتقد توبول أن الهواتف الذكية ينبغي أن تسرع من تشخيص وباء الإيبولا. فالفحوص الحالية تتطلب مختبرات خاصة ليست متوفرة في بعض المناطق الأكثر تأثراً بالوباء، لكن التقنية التي تعرف باسم “تفاعل البوليميراز المتسلسل” (PCR) يمكن تنفيذها من خلال تحميل تطبيق إلكتروني منخفض الثمن على الهاتف النقال.
وتعمل هذه التقنية عن طريق تكبير آثار مسببات المرض في الحمض النووي في عينة دم المريض ووضع علامات عليها بصبغة فلورسنت. يمكن لكاميرا الهاتف بعد ذلك تتبع الصبغة المتوهجة بغية تحديد ما إذا كان هذا الفيروس موجوداً في العينة.
يقول توبول: “لوباء الإيبولا خمس جينات، ولذا فهي تمثل عددا قليلا جداً، لكن وجودها في الدم ينبغي أن يكون سهل الاكتشاف”.
هناك شركة “بيوميمي” (Biomeme) للتكنولوجيا الحيوية، ومقرها في فيلادلفيا، وهي مهتمة بالفعل بهذه القضية. ماريا شاكون هيسزيلي، وجيسي فانويسترينين، اللذان يستخدمان نظام PCR في العمل، يشيران إلى أن نظامهم المتنقل هذا يمكن أن يكشف الشخص المصاب في أقل من ساعتين من خلال وخزة إصبع واحدة. كما أن لهذا النظام نسبة خطأ منخفضة – تبلغ ثلاثة فقط من بين كل ألف حالة.
أي أن الناس الذين تعرضوا إلى ناقل للمرض مثل الـ 132 مسافراً على متن طائرة مع إحدى عاملات القطاع الصحى المصابة بالفيروس في دالاس، يمكن أن يخضعوا لفحوص منتظمة من خلال ذلك النظام لمعرفة المصاب منهم.
ومن الجدير بالاهتمام أن هذا النظام يعمل في المناطق النائية. وقال فان ويسترينين لـ بي بي سي: “إنه أقل تكلفة، ويتطلب صيانة بسيطة فقط، ومن السهل معرفة طريقة عمله. وحيث أن المعلومات يحتفظ بها في هاتف ذكي، فإنه يمكن تحميل النتائج على قاعدة بيانات مركزية لتتبع تفشي المرض، والتي بدورها يمكن أن تساعد على إصدار إنذار مبكر ومنع انتشار العدوى.”
ويعكف فريق شركة “بيوميمي” على تطوير وفحص هذه التقنية، فإذا ثبت نجاحها، يمكن أن تكون أكبر مؤشر على الثورة الطبية الأوسع التي تسعى لتغيير حياتنا في كل مكان على سطح الأرض.
يقول توبول: “هذه الأدوات يمكن استخدامها في أي مكان في العالم؛ سواء كنت في ليبيريا أو في لندن، وستشمل كل مناحي العناية الصحية.”